تأتي قيمة هذه الطبعة في المكانة الاعتبارية التي يتنزلها الكتاب موضوع الدراسة، وثانياً بسبب الاختيار الفكري للناقد محمد العناز في مدى رهانه على مفهوم الصورة، باعتباره أحد المفاهيم الأساسية في الثقافة المعاصرة. لذلك يطالعنا المؤلف حداثياً في اختياره في فكره ومصادره، فهو يتجنّب التفكير في مدارات موضوع وقضايا وإشكالات أصبحت مألوفة داخل مجال النقد الأدبي، خاصة فيما يرتبط بالرواية ومتخيّلها. لذلك فإنّ اهتمام العناز بمفهوم الصورة يجعله يطرق من باب القدامة من مداخل الحداثة، سيما وأنّ مفهوم الصورة لم يتعرّض له النقاد لا من قريبٍ ولا من بعيد باستثناء أسماء نقدية قليلة حاولت ملامسة المفهوم، سواء من داخل الشعر أو التشكيل أو السينما. والحقيقة أنّ العداء التاريخي الذي تُكنّه الثقافة العربية لمفهوم الصورة، على خلفية ما طال هذا المفهوم من تحريم من لدن بعض الفقهاء، ما يزال يرخي بظلاله على الممارسات النقدية اليوم ويجعلها عامة وتُعيد تكرار المكرّر من القضايا الثقافية وغيرها.
يقول الناقد محمد أنقار في تقديمه للكتاب « يعمل هذا الكتاب على البحث عن مفهوم الصورة في بيان وتبيين الجاحظ. لكن أية صورة يقصد؟ في الجواب عن السؤال تمكن الإضافة التي حققها هذا العمل النقدي الرصين. ذلك أن الأمر لا يتعلّق عنده بمفهوم الصورة الشعرية أو أية صورة بلاغية جزئية أخرى، وإنّما بمفهوم غير مألوف حاولت نحته وترسيخه طائفة من الباحثين بكلية الآداب بتطوان، خاصة محمد أنقار، محمد مشبال ومحمد العناز ».
إنه « مفهوم لا يعتبر الصورة جزءاً، مفهوم يتجاوز الانفصام الوهمي بين الشكل والمضمون وينظر إليها من حيث هي كل بلاغي فكري، قادر على حمل رؤية المبدع أو ناقد إبداعه. وأفترض أن هذا المفهوم الشامل للصورة من شأنه أن يقترب من مفهوم الإنسان ذاته الذي لا يقبل بدوره التجزئة. صحيح أم مفهوم الصورة عند الجاحظ لا يتطابق كل التطابق مع التصور المذكور، إلاّ أنه كان بالنسبة إلى الباحث العناز بمنزلة البوصلة التي هدت خطواته النقدية، بمعنى آخر، إنّ ذلك المفهوم الشامل للصورة لم يكن يتناقض مع المفهوم الناضج لذات الصورة لدى الجاحظ. صحيح أن البعد البياني كان يطغى على مفهوم الصورة لديه، إلاّ أنه لم يخل من سمات النضج المشار إليها ».