الكتاب عبارة عن دراسة تتأمّل مفهومي الاتصال والانفصال في فكر محمد عابد الجابري وذلك على خلفية ما تشغله هذه المفاهيم في مشروعه الفكري القائم نقد العقل. لقد استطاع الجابري تقديم مشروع فكري ينطلق من البيئة العربية وشجونها، فهو مفكر لا يكتفي بالإسقاط المعرفي الغربي أو يحاول عبر مفاهيم ونظريات أنْ يؤسس على منوالها أفكاره ومواقفه تجاه السياسة والمجتمع والتراث، بل حرص الجابري في كل ما قدّمه من كتابات أنْ يتكلّم بلسانه وبأفكاره التي غالباً ما تجد لها معارضة شديدة داخل الوسط الفكري في المغرب وخارجه.
وقد سعى الجابري فيما كتبه حول العقل والتراث توجيه نقد لما سمّاه بالعقل العربي. مع العلم أنّ هناك العديد من المفكّرين انتقدوا الجابري على أساس أنّه لا يوجد عقل عربي وآخر فرنسي أو أمريكي، وإنّما هناك عقل كوني واحد. وبالتالي، فإنّ التفكير الفلسفي لا يقم على الجنس أو النوع أو الحزب أو القبيلة أو العشيرة، بل ينبثق عبر السؤال ليُفكّر في العقل الكوني وكل ما يتّصل بالإنسان وحياته اليوميّة.
قيمة الكتابة أنّه يقارب « الاتصال (الحداثة) والانفصال (الانسلاخ عن التراث والتاريخ والماضي عموما). إنّ الباحث يحاول هنا تقديم رؤية جديدة نقدية لفكر الجابري ويسعى من خلالها على الأقل إعادة التفكير في مشروع الجابري الذي مهما وُجّه إليه من نقد يظلّ علامة بارزة في تاريخ الفكر المغربي ومشروعاً فكرياً حقيقياً يُهدّم الأفكار المجرّدة ويسعى عبر كتابة فكرية بسيطة من ناحية الأسلوب أنْ ينتقد الواقع ويُحلّل ميكانيزماته وآفاقه ومعضلات تراجعه.