يأتي هذا الكتاب في سياق الاهتمام بالجوانب الرقمية داخل الإدارات العمومية والتحول الكبير الذي بات تعرفه في الأمور ذات الصلة بالتقنية. شهد المغرب في السنوات الأخيرة طفرة تكنولوجية لم تبقى رهينة أدوات التواصل، بقدر ما اكتسحت كافّة الجوانب المرتبطة بالتدبير العمومي وما يتّصل بها من أجهزة داخل الإدارات والمستشفيات وغيرها. إنّه تحوّل جوهري هام يحتاج تفكير وتأمّل في خصوصية هذا التأثير وكيف غدت الإدارات العمومية تشتغل وفق هذا النسق التقني الذي يجعل عملية الاشتغال سهلة ومنمّقة. إنّ التفكير في موضوعات كهذه أمرٌ يدخل في حكم اللامفكّر فيه داخل الثقافة المغربية، وذلك لكونها غير قادرة على متابعة وتأمّل مثل هذه الظواهر الزئبقية والمتحوّلة عبر الزمان والمكان. ناهيك عن كون التفكير والكتابة في موضوعات من قبيل الإدارات العمومية يحتاج إلى خبرة كبيرة في المجال الإداري، بما يجعل الباحث يُفكّك طريقة تسيير عمل الإدارات ويكشف عن خيباتها وأهوالها.
خصّص الباحث كتابه لدراسة حال الجماعات، بحكم أنّها تعتبر من الهياكل الإدارية القوية ذات الصلة بالمجتمع. فالجماعات لها إسهام كبير في الفضاءات العمومية، إذْ تعمل دائماً وبشكل مباشر مع المواطنين. وحرص عبد اللطيف تملكوتان في أغلب فصول الكتاب أنْ يعطي لمفهوم الرقمنة مكانة خاصّة، باعتبارها نسقاً وليس مجرّد وسيلة لتسهيل عملية التواصل والاشتغال، عاملاً بشكل كبير على وضع القارئ على ضرورة الوصول إلى ما سمّاه بـ « الطابع اللامادي على خدمات » الجماعات الترابية » وهو نمطٌ حداثي في التفكير يجعل الفضاءات العمومية في موضع حرج، لأنّه يُفكّك بقوة نسقها التقليدي ويدعوها إلى الانخراط في إدارة حداثية عمومية رقمية مدمجة ».