أشرف الحساني يكتب: هل السينما المغربيّة تربوية؟

أشرف الحساني / ناقد فني

أشرف الحساني / ناقد فني

في 14/02/2023 على الساعة 18:41

مقال رأيرغم التحوّلات المفاهيمية والجمالية والتقنية التي ألمّت بالسينما المغربيّة منذ بداية الألفية الثالثة، ماتزال هذه السينما تحبو على درب التقليد والمحاكاة، بسبب ما تنضح به من أبعادٍ تربوية على مُستوى المقاربة والتخييل.

لا يعنينا هنا الحديث عن السينما التربوية التي نشأت وترعرعت داخل المدرسة العمومية المغربيّة منذ سبعينيات القرن المنصرم، ولكنْ الاقتصار على السينما المغربيّة في عموميتها والأسباب التي تقف وراء تشنّجها وعدم فهمها للواقع بما يحبل به من تحوّلات وتناقضات. لم تعُد السينما المغربيّة اليوم، في حاجة إلى صُوَرٍ تربويّة أو أيديولوجية، أمام بروز واقع آخر يحتاج إلى أدوات جديدة للمُعاينة والنظر. لكنْ هذه التحوّلات لم يستوعبها المُخرج المغربيّ، إذْ تجعله يعيش في غيبوبة ماضٍ، لم يعُد له أيّ أثر في حياتنا المعاصرة، إنّها تُعرّيه وتُظهر تقليديته في النّظر إلى الواقع، مادامت أفلامه لا تخرج عن الموعظة الأخلاقية وتعتمد دوماً مقاربات تربوية.

ففي الوقت الذي تنفتح فيه السينما السورية واللبنانية على قضايا ذات علاقة باجتماعها وذاكرتها وتاريخها، بما يجعلها تشارك في تظاهرات ثقافيّة ومهرجانات عالمية، ما يزال الفيلم المغربيّ حكراً على أسماء من قبيل نبيل عيوش وهشام العسري وفوزي بنسعيدي وكمال كمال وحكيم بلعباس وغيرهم. أمّا البقيّة فلا تتجاوز الجغرافية المغربيّة، لكونها مجرّد أفلام الـ « صدى » ولا تنحت أيّ أثرٍ بصريّ يُذكر. إنّ المُشكل أعمق ممّا نعتقد، فإذا كانت هذه التحوّلات قد تمّت بلورتها داخل السينما العربيّة وأضحت تُشكّل بديهيات أيّ فعل تخييلي، فإنّها في المغرب، ما زالت تعيش ضرباً من اللامفكّر فيه، إذْ لا يعثر عليها المرء، إلاّ داخل ثنايا كتاباتٍ نقديّة تُبشّر بهذه التحوّلات داخل الخطاب النظري، دون أنْ تفهم خصوصياتها داخل المُنجز السينمائي المغربيّ.

إنّ السينما المغربيّة، وهي تبحث لنفسها عن خطابٍ بصريّ جديد، لا تضع في تفكيرها هذه التحوّلات وضرورة الخضوع لها، باعتبارها مُرتكزاتٌ أساسية في صياغة المُتخيّل البصري، في الوقت الذي تقف فيه صُوَر المخرج المغربيّ عند العتبات الأولى ولا تقتحم جوهر الجسد البشري، بما يجعلها تتجاوز كلّ الخطوط والحواجز والسياجات التي يفرضها الفكر التقليدي، فالصورة قادرة في الدقيقة الواحدة على بلورة أكثر من حقيقة.

فهذا الأمر، يجعل من السينما ساحرة وذات قوّة كبيرة في تكثيف الواقع وتصويره، رغم أنّ وظيفة المخرج تتجاوز كونها محاكاة لهذا الـ « واقع » إذْ على الرغم ممّا تُضمره العلاقة من فتنة وانفعال، فإنّها تبقى علاقة مبنية على الغموض، أوّلاً، لعدم قُدرة الكاميرا على رصد كلّ جزئيات الواقع وتفاصيله ونتوءاته، وثانياً، لأنّ علاقة الذات بالواقع دائماً مُضطربة وتفرض نسقاً تخييلياً يصعب التحكّم فيه.

وإذا كانت السينما أداة فعّالة لإدانة الواقع وتعريته، فإنّها تغدو في نفس الوقت عملية فكرية قادرة على استنبات فكر جديد يُحرّر الصورة من مختلف أشكال وأنماط السُلط التي تُمارسها الصورة على المُشاهد، بما يجعلها تصل إلى الدرجة الصفر، حيث تغدو الصورة لا تُعبّر إلاّ عن نفسها وتحمل في طيّاتها ذاكرة لا مرئية يستشعرها المرء في مخزونها، بطريقة تغدو صُوَرها متناثرة مثل الشعر ولا تُقدّم أيّ خطابٍ احتجاجي أو بيداغوجي، لأنّ ذلك عكس السينما، بل هو مطبّ السينما المغربيّة عموماً، التي تريد أن تكون تربوية وفقهية تُظهر للناس ما ينبغي أن يكون ولا يكون. بهذه الطريقة يُساهم الفيلم في اجترار نفسه، وإعادة إنتاج وصناعة التنميط البصريّ، بعدما تُصبح صُوَره أشبه بخطاب غوغائي عامّ، لا علاقة له بجوهر اللّغة السينمائية وما تقتضيه من تفكيك وتكثيف وترميز.

تحرير من طرف أشرف الحساني
في 14/02/2023 على الساعة 18:41