منذ عودته إلى منزله في 5 شتنبر 2024، كشف إسماعيل سنابي، الذي أصبح رجلا محطما، عن تفاصيل معاناته، في حديث لصحيفة «لوموند». في مقال نُشر بتاريخ 28 نونبر، روى إسماعيل سنابي، وهو فرنسي-مغربي يبلغ من العمر 28 عاما ويقيم في مدينة كليشي سو بوا الفرنسية، قصة كابوسه، حيث لا يزال يعاني من صدمة الذكريات المؤلمة التي تلاحقه.
29 غشت 2023: يوم عطلة تحول إلى مأساة
كانت الساعة تشير إلى الخامسة مساء، والسماء زرقاء صافية، و«البحر هادئ كالبحيرة»، كما وصف في القصة التي استعرضت أحداث ذلك اليوم الذي بدأ مثاليا. كان إسماعيل برفقة أصدقائه بلال قيسي، محمد (شقيق بلال)، وعبد العالي مشيور. استقل الأربعة ثلاثة دراجات مائية (جيت سكي) متجهين نحو راس الما، وهي قرية صيد تقع على بعد حوالي 20 كيلومترا غرب مدينة السعيدية، لتناول الطعام على الشاطئ.
بعد الانتهاء من وجبتهم، حان وقت العودة، حيث بدأ الوقت يتأخر. استقل الأربعة دراجاتهم المائية مجددا، مع مشاركة بلال قيسي وعبد العالي مشيور للدراجة الثالثة.
يوم بدأ بشكل رائع...
يتذكر إسماعيل قائلا: «كنا نقوم بجولات ونلتقط صورا عبر تطبيق سناب شات». ثم يضيف، مستغرقا في تفاصيل ذلك اليوم العالق في ذهنه: «حلّ الظلام وارتفعت الضبابية». كان الأصدقاء الأربعة يظنون أنهم في طريقهم إلى مارينا السعيدية، لكنهم بدؤوا يشكون في وجهتهم عندما لاحظوا أن الطريق بات طويلا للغاية. يقول إسماعيل، وهو أب لثلاثة أطفال تتراوح أعمارهم بين 3 و6 سنوات: «توقفت وأخبرت محمد أننا أخطأنا الطريق. كل ما كنا نراه هو شيء أبيض في الأفق، فلا توجد لوحات إرشادية في البحر».
كانت الساعة تقترب من الثامنة مساء، حين خرج قارب من الضباب مسرعا نحوهم، يتحرك بشكل متعرج بين الدراجات المائية، كما لو كان يحاول فصلهم. كان القارب يحمل أفرادا من خفر السواحل الجزائري.
يقول إسماعيل سنابي في البداية: «كنت سعيدا برؤيتهم، واعتقدت أنهم سيقدمون لنا المساعدة أو يرشدوننا للطريق». وتوجه إليهم الشاب واثقا، متحدثا بالعربية: «لقد ضللنا الطريق، نحن قادمون من المغرب». لكن الرد كان صارخا من الجنود: «غادروا فورا! المغرب هناك». امتثل الرجال الأربعة للأمر دون تردد وعادوا أدراجهم.
جرائم الجيش الجزائري... مرة أخرى بلا عقاب
خلال شهادته، قدم إسماعيل القطعة المفقودة التي أكملت الصورة، ليُعاد رسم المشهد بالكامل. وبينما كان الأصدقاء الأربعة يتوجهون نحو السواحل المغربية، بدأوا يسمعون أصواتا تشبه إطلاق النار. خائفا، ألقى إسماعيل بنفسه في الماء. يقول: «بدأت أتلو الشهادة وكأن ساعتي قد حانت، عندها سمعت أحدهم يصرخ: »أنت يهودي، لماذا تتلو الشهادة؟ »
سرعان ما أُعيد إسماعيل إلى القارب على يد العسكريين الجزائريين، ليجد نفسه مُلقى على أرضية القارب، مكبل اليدين والقدمين «مثل شاة». يضيف: «وُضع حذاء على خدي، وتعرضت للضرب، وسألوني إن كنت قد زرت إسرائيل».
في هذه اللحظة، لم يكن إسماعيل يعلم بعد ما حدث لأصدقائه. وسرعان ما اكتشف أن أحدهم، بلال قيسي (فرنسي-مغربي يبلغ من العمر 28 عاما)، وعبد العالي مشيوَر (مغربي يبلغ من العمر 40 عاما ويقيم في ضواحي باريس)، قُتلا بدم بارد على يد العسكريين الجزائريين. الناجي الوحيد الآخر من هذه المأساة، محمد قيسي، تمكن من العودة إلى الساحل المغربي ليُدلي بشهادته عن المجزرة.
بالنسبة لإسماعيل سنابي، تحول ذلك اليوم الذي بدأ بشكل رائع إلى «جحيم» يطارده كابوسه يوميا، حتى كاد يفقد عقله.
أرض التعذيب والاضطهاد
بعد أن نُقل إسماعيل على متن القارب، وجد نفسه محتجزا في الجزائر داخل وحدة مسبقة الصنع. يروي: «لم يكن معي سوى سترة النجاة وشورت أزرق وساعة وهاتف صغير وحقيبة تحتوي على بعض المال». بدأت سلسلة من الاستجوابات، حيث طُرح عليه أسئلة غريبة تكشف عن عداء عرقي وديني عميق لدى النظام الجزائري. يقول إسماعيل: «سألوني مجددا إن كنت قد زرت إسرائيل، وإن كنت أشرب الكحول، وإن كنت أحفظ سورا معينة من القرآن. كنت أكرر أنني مواطن فرنسي».
يواصل وصف معاناته: «تعرضت للضرب، ووُضعت رأسي في دلو ماء، وتم تعذيبي». في لحظة من الرعب، أشعل أحد العسكريين ولاعة تحت لحيته. يقول: «في تلك اللحظة، كنت خائفا لدرجة أنني لم أشعر بالألم».
وفي فعل سادي إضافي، التقط العسكريون صورا له بجانب دراجته المائية المثقوبة بالرصاص، كما لو كانت «غنيمة» صيد. يضيف إسماعيل: «عندما رأيت الدراجة، أدركت أن الأصوات التي سمعتها قبل أن أقفز إلى الماء كانت فعلا طلقات نارية، وأننا كنا مستهدفين».
محاكمة صورية
في اليوم التالي، قُدّم إسماعيل إلى محاكمة عاجلة مرتديا لباس السباحة فقط. حُكم عليه في البداية بالسجن ثلاثة أشهر بتهمة «دخول غير قانوني» و«تهريب مركبة». وفي 6 شتنبر، زادت العقوبة إلى ستة أشهر وغرامة مالية قدرها 15 مليون دينار (ما يعادل 100 ألف يورو)، وهو مبلغ يعادل خمسة أضعاف قيمة الدراجة المائية. وفي 1 أكتوبر، صدر حكم آخر بسجنه سنة كاملة.
يقول إسماعيل إن الرواية الجزائرية الرسمية التي قدمتها وزارة الدفاع تنص على أن الأصدقاء الأربعة «تلقوا أوامر بالتوقف، لكنهم رفضوا الامتثال»، ما دفع خفر السواحل لإطلاق النار. لكن إسماعيل والناجي الآخر محمد قيسي نفيا ذلك تماما، مؤكدين أنه لم يكن لديهم الوقود الكافي للهرب. يقول إسماعيل: «كنا بالكاد نتحرك بسبب نقص الوقود، كانوا كمن يمتلك دراجة نارية بينما نحن على سكوتر».
سجن ومعاناة نفسية
خلال فترة سجنه التي امتدت عامًا، تنقل إسماعيل بين أربع سجون مختلفة. يروي معاناته قائلا: «كنت أنام على بطانيات مبللة، فقدت 30 كيلوغراما من وزني، وخسرت النوم والعقل». في إحدى المرات، أعطاه شرطي هاتفه ليريه صورة صديقه عبد العالي مشيوَر مقتولا، في لقطة صادمة تركته منهارا.
ابتزاز وتهديدات
قبل إطلاق سراحه المتوقع في 28 غشت 2024، كان عليه دفع الغرامة الباهظة. يقول إسماعيل: «دفعت فدية. كنت رهينة».
بعد خروجه، تلقى تحذيرا من شرطي جزائري: « انس قصتك، لا تتحدث عنها في فرنسا، وإلا تذكر أن لديك عائلة في الجزائر».
حاليا، يُتابع إسماعيل مع طبيب نفسي، فيما يُنتظر أن تستمع إليه الشرطة الفرنسية ضمن إطار شكوى رفعتها عائلة قيسي ضد مجهولين بتهمة القتل العمد.