كيف يتم تحري الأهلة بالمغرب؟ باحثون في علم الفلك يكشفون اللبس

صورة تعبيرية . مراقبة الهلال

صورة تعبيرية . مراقبة الهلال

في 20/04/2023 على الساعة 19:00

بعد إعلان الكثير من الدول الإسلامية أن يوم غد الجمعة هو أول أيام عيد الفطر، يترقب المغاربة، باهتمام كبير، ما ستسفر عنه عملية تحري هلال شهر شوال، التي ستتم من طرف وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بعد مغرب يومه الخميس 29 رمضان. فكيف تتم هذه العملية؟ وما هي الطرق المعتمدة في إثبات الأهلة؟ وأي الدول أكثر دقة في تحديد مداخل الأشهر القمرية؟


في الوقت الذي تستند كل من السعودية والإمارات وقطر وتركيا وفرنسا، التي أعلنت أن مطلع شهر شوال سيكون يوم غد الجمعة، إلى الحسابات الفلكية لإثبات مداخل الأشهر القمرية، فإن المملكة المغربية تشترط رؤية الهلال بالعين المجردة ولا تعتمد فقط على توقعات الحسابات الفلكية.

وقال زهير بنخلدون، أستاذ علم الفلك بجامعة القاضي عياض بمراكش ومدير المرصد الفلكي في أوكايمدن، إن الحسابات الفلكية تشير إلى أن رؤية هلال شهر شوال بالعين المجردة ستكون منعدمة بعد مغرب اليوم الخميس، بينما ستكون واضحة وجازمة بعد مغرب الجمعة 30 رمضان.

وأوضح بنخلدون، في تصريح لـLe360، أن الرؤية البصرية هي المحققة لبِداية الشهر القمري الشرعي، وفق المرجعية التي يعتمدها المغرب لإثبات الأهلة.

وشدد أستاذ علم الفلك على أن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية هي الطرف الرسمي الوحيد المكلف بمعرفة مداخل الشهور الهجرية والإعلان عنها.

ويعتمد المغرب في مراقبته لأهلة الأشهر القمرية الرؤية المجردة لنظارة الأوقاف ومقابلتها مع نتائج الحسابات الفلكية، والتي تقوم على آخر التطورات التي توصل إليها علماء الفلك في حساب أطوار الشروق والغروب في أي نقطة من العالم، والتي في غالب الأحيان ما تتطابق مع رصد كل منهما بالعين المجردة.

شاهد كيف تتم مراقبة الأهلة بالمغرب (ربورتاج سبق نشره بتاريخ 26 ماي 2017)

جدل مستمر

في كل سنة، يتجدد الجدل حول محاولة التوحيد بين مداخل الشهور الهجرية بين الدول الاسلامية، حيث انعقدت عدة مؤتمرات لمحاولة التوحيد وعلى الرغم من ذلك لا يزال اختلاف كبير في مداخل الشهور قد تصل في بعض الأحيان لثلاثة أيام!.

وفي هذا الصدد، قال مركز الفلك الدولي، في بيان وقعه 25 خبيرا ونشر أمس على موقعه الرسمي: «لا يخفى على أحد اللغط الحاصل حاليا في الحديث عن رؤية هلال العيد مساء يوم الخميس 20 إبريل، ما بين مؤكد بأنه سيرى ويكون العيد يوم الجمعة وآخر يؤكد أن الهلال لن يرى. وليس الهدف من هذا التصريح تحديد اليوم المتوقع لعيد الفطر إذ أنه مرتبط بعوامل متعددة ما بين فقهي وعلمي، إنما غاية هذا التصريح هو بيان بعض الحقائق العلمية المتعلقة بمسألة رؤية الهلال».

وأوضح مركز الفلك مؤكدا أن «جميع المعايير، قديمها وحديثها، تبيّن أن رؤية الهلال يوم الخميس غير ممكنة بالعين المجردة من العالم العربي. فهذا التوقع ليس رأيا لشخص أو جهة، بل هو إجماع من قبل متخصصين أشبعوا هذه المسألة بحثا، ونشروا فيها أبحاثا في دوريات علمية محكمة».

كيف يتم تحري الهلال بالمغرب؟

يعتمد المغرب في عملية مراقبة الأهلة أساسا على الرؤية بالعين المجردة، فقبيل الثامن والعشرين من كل شهر قمري، تصدر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بلاغا يحث المواطنين على مراقبة الهلال مع بيان أرقام هواتف الاتصال لإبلاغها بنتائج التحري.

وفي يوم التاسع والعشرين قبيل الغروب تجتمع في الوزارة خلية لاستقبال الشهادات بالرؤية أو عدمها، وقد اختارت الوزارة مئات الأماكن في جميع أنحاء المملكة يحضر فيها العدول والقضاة للسهر على التأكد من شرعية الشهود المراقبين وتدوين وتوثيق شهادتهم وتحرير الاستمارات المتعلقة برؤية الهلال أو عدمه.

وتشارك في هذه العملية أيضا عناصر القوات المسلحة الملكية، حيث تراقب الهلال من خلال مناطق وجودها داخل المملكة.

ولا يكتفي المغرب في عملية مراقبة الاهلة بالرؤية المجردة بل يساعد في عملية تدقيق المراقبة الميدانية ويرشدها كتاب « التقويم الهجري المغربي »، الذي تصدره الوزارة، مسبقا كل سنة، والذي يحتوي على معلومات فلكية من ضمنها مواصفات الهلال ومكان وجوده في السماء الغربية.

ويحتوي الكتاب على تفاصيل حساب إمكانية رؤية الهلال بالعين المجردة، ويستند في ذلك على مصدرين هامين؛ أولهما ما توصل إليه الفلكيون المسلمون طوال أرصاد القرون الماضية والتي بينت التجربة صحتها ونجاعتها، وثانيهما ما توصلت إليه الأبحاث الفلكية المعاصرة في حركتي الشمس والقمر.

من الأدق.. المغرب أم السعودية؟

ونحن على أبواب عيد الفطر، يوجه الناس العتاب والانتقاد للجهات المسؤولة عن إثبات رؤية الهلال ظانين أن رؤية السعودية ومن سار على دربها هي الرؤية الصحيحة المعتمدة، وغيرها باطل. بينما يؤكد أهل الاختصاص أن المملكة المغربية تبقى الدولة العربية الوحيدة التي تتحرى الهلال كل شهر (وليس فقط رمضان وشوال) بشكل رسمي، وتعلن نتائج التحري رسمياً وبشكل فوري عبر وسائل الإعلام.

وفي هذا الصدد، قال الباحث في علم الفلك المهندس سعيد بنعياد، إن المغرب هو أفضل دولة عربية وإسلامية في رصد الأهلة وإثبات الشهور القمرية.

وأوضح بنعياد، خلال محاضرة ألقاها مؤخرا برحاب كلية العلوم بتطوان حول موضوع «المعايير المعتمدة لإثبات الأهلة»، أن الطريقة المعتمدة بالمغرب يمكن وصفها بـ «الصحيحة والجيدة»، إذ ترتكز على مجموعة من المعايير الدقيقة، منها أن هناك أكثر من 270 لجنة متخصصة في رؤية الهلال.

وأشار إلى أن رصد الأهلة رسميا أمر غير متاح لكل من شاهده من العامة، بل يعهد إلى لجان مختصة موزعة على جميع تراب المغرب، بالإضافة إلى أفراد القوات المسلحة الملكية. وأضاف بنعياد أن المغرب، إضافة الى سلطنة عمان، هما أفضل الدول العربية والإسلامية في تحديد ورصد وإثبات الشهور القمرية، مؤكدا أن أصح رؤية منذ زمن قديم، وبشهادة كثير من علماء المشرق، هي رؤية المغرب، لأنها تعتمد على العين المجردة لا على الحسابات الفلكية، كما هو الحال في كثير من البلدان الإسلامية، وأن الجهات التي تراقب الأهلة هي لجان متعددة ومتخصصة، وليست جهة واحدة مما، لا يتيح مجالا للشك. وأشار المحاضر إلى أن اللجان المختصة بمراقبة الأهلة تقوم بعملها في جميع شهور السنة القمرية، ولا تنتظر قرب حلول شهر رمضان للإعلان عن الرؤية. واعتبر سعيد بنعياد أن طريقة المغرب في الرصد تعد الأكثر مصداقية، مسجلا بأنه «لم يحدث أن وقع خلل أو مخالفة لإعلان المغرب لرؤية الهلال مع ما تقره الحسابات الفلكية الدقيقة».

وفي المقابل، كشف عبد العزيز خربوش، الباحث في علم الفلك، أن معظم الدول التي تعتمد الحساب الفلكي فقط «وقعت في الخطأ في أحايين كثيرة »، موضحا في تصريح سابق لـLe360 أن « السعودية حدث أن ادعت رؤية الهلال في وقت تستحيل فيه رؤية الهلال وتبطل فيه الشهادة».

وقال هذا الباحث خريج المدرسة العتيقة إنه «مثلا، في رمضان سنة 1412 هجرية (1992م) كان أوله يوم الجمعة 6 مارس في المملكة المغربية، وأما السعودية فقد تقدمت علينا بيومين فأثبتت الهلال مساء يوم الثلاثاء 3 مارس رغم أن القمر غاب قبل غروب الشمس بأكثر من 40 دقيقة. وفي مساء يوم الأربعاء غاب القمر مع الشمس ولم يمكث بعدها إلا بعشرين دقيقة. وهذا مخالف لسنة الله في كونه والكتاب والسنة والإجماع والحساب القطعي».

تحرير من طرف ميلود الشلح
في 20/04/2023 على الساعة 19:00