لا أحاول هنا أنْ أدافع عن صاحب فيلم « يا خيل الله » ولكنْ من يستطيع اليوم من المخرجين والفنانين والنقاد أنْ ينفي قيمة سينما نبيل عيوش وقدرتها على تحريك الجامد داخل سينما مغربية تقليدية تتهجّى مبادئ الحداثة السينمائية. حين نتحدّث عن النجاحات التي تُحقّقها السينما المغربية اليوم في محافل دولية، فإنّ الأمر يتعلّق بكوكبة صغيرة من المخرجين، ممّن استطاعوا فرض تجاربهم السينمائية في الخارج وركموا من خلالها متناً سينمائياً قوياً له خصوصياته الفنية وأبعاده الجمالية. وإذا استثنينا وجوه من قبيل نبيل عيوش وهشام العسري ونور الدين الخماري وكمال كمال وسعد الشرايبي وغيرهم، لا نعثر على تجارب سينمائية قويّة وحقيقية بما تقترحه من طريقة اشتغال مختلفة في النّظر إلى الواقع.
والحال أنّ سينما نبيل عيوش، ظلّت على مدار سنوات تتطوّر لوحدها من الداخل وتؤسس لها مشروعاً جمالياً خاصاً بها. مشروعٌ سينمائي مذهل حرص من خلاله نبيل عيوش أنْ يكون قاع المجتمع المغربي مختبراً للكتابة والتفكير. ذلك إنّ كلّ أفلامه السينمائية تنبع من الهامش وعوالمه المنسيّة، فتكون سينماه عبارة عن أداة تنتقد الواقع وتدين مجمل أفكار ومعتقدات ما تزال تُعيق المجتمع المغربي وتجعله قابعاً في التخلف والرجعية.
يكره الناس نبيل عيوش فقط لأنّه يعمل في كلّ فيلمٍ جديد له على خرق الحدود التي عادة ما تكون مرتبطة بالسياسة والجنس والدين. بهذه الطريقة يحاول صاحب « الكلّ يُحبّ تودا » أنْ يبني سينما أشدّ واقعية ينفي فيها مفهوم الخيال السينمائي وفانتاستيكيته، صوب كتابة سينمائية تنطلق من الواقع بدرجةٍ أولى، لكنّها تعمل لاحقاً عبر عنصر التخييل أنْ تبني لها أفقاً بصرياً بين الواقع والخيال. حين قدّم عيوش « الزين لي فيك » وُجّه للمخرج نقداً لاذعاً، غير أنّ الذين أنجحوا الفيلم وشاهدوه هم الذين انتقدوه. كلّ شيء يغدو مباحاً في خلوتهم، لكنّه يُصبح مرفوضاً أمام شاشات المجتمع. هذه السكيزفرونية لها بعد خاصّ في المغرب. فهناك « تيار » يحاول أنْ يستغلّ مثل هذه المناسبات ليخلق الجدل بتصريحاته الفارغة وخرجاته المرتبكة، لكنّه في العمق لا يُقدّم أيّ جديدٍ يُعوّل عليه من الناحية الفكرية.
سينما عيوش مفيدة للمغرب ونحتاج دوماً إلى أفلامٍ من هذا القبيل حتّى نتحرّر سينمائياً وتصبح أفلامنا تمتلك هوية بصرية حقيقية وليس عبارة عن سينما تلهث وراء الفن النظيف ومفاهيم الموعظة الأخلاقية والدعوات التربوية. إنّ السينما أداة سياسية قبل أنْ تكون فنية، وبالتالي، فهي قادرة أكثر من الفنون الأخرى على تفكيك ونقد كلّ الظواهر التي طفحت على سطح المجتمع المغربي في السنوات القليلة الماضية.