فندق لينكولن الدار البيضاء.. قصة مَعلمة تاريخية "ملعونة"!

DR

في 15/02/2015 على الساعة 11:54

أعاد تسبب فندق لنكولن في مقتل مشرد، جراء انهيار جزء مما تبقى من أطلاله مطلع هذا الأسبوع، التساؤل حول أسباب عدم ترميم البناية المهجورة، فهذا الفندق الذي كان يفترض أن تطوى صفحته قبل سنوات، ما يزال يشوّه بمنظره الحالي مركز الدار البيضاء.. هذه حكاية تعثر إعادة بناء أقدم فندق تحوّل إلى مَعلمة "ملعونة".

بعد أن كان ملتقى للعديد من الشخصيات العالمية والوطنية، إبان فترة الحماية، لم يعد يأوي فندق لنكولن، الذي يعد من أقدم الفنادق بالعاصمة الاقتصادية، سوى بعض الأشخاص بدون مأوى، الذين يحتمون بما تبقى من أطلاله من قساوة برد الشتاء.

البناية التاريخية، التي وضع تصميمها المهندس الفرنسي هيبير بريد سنة 1917، على مساحة تقدر بحوالي ثلاثة آلاف متر مربع، تعتبر أول بناية بشارع محمد الخامس (شارع المحطة سابقا)، قبالة السوق المركزي (مارشي سنطرال)، إلا أنها سرعان ما بدأت تفقد بعضا من أجزائها بعد 70 سنة على تشييدها، إذ تعرضت بعض جدران الفندق للانهيار عدة مرات منذ سنة 1984 مرورا بسنة 1989 ثم 2009 و2011 فالحادث الأخير الذي أودى، الاثنين الماضي، بحياة مشرد تحت أنقاض ما تبقى من أطلال الفندق المهجور.

اللافت أن وزارة الثقافة أصدرت قرارا (رقم 411.00) في رابع مارس من عام 2000، يقضي بكون "واجهات بناية فندق لنكولن بالدار البيضاء، من المباني التاريخية، والمواقع والمناطق المرتبة في عداد الآثار بولاية الدار البيضاء"، وصدر القرار بالجريدة الرسمية رقم 4795 في 15 ماي 2000.

© Copyright : DR

ومرت الآن حوالي 14 سنة على اتخاذ هذا القرار، وانهارت جدران وأسقف الفندق مرات عدة، دون ترميمه وإصلاحه، ما جعله يتحول إلى ملجأ يؤوي مشردين.. أما أطلاله الآيلة للسقوط فتهدد أرواح المواطنين في كل لحظة، على الرغم من إحاطة واجهته الأمامية بسياج واقٍ.

تراث "ملعون"!

في كل مرة ينهار جزء من بناية لنكولن، يعتقد البيضاويون أن الانهيار سيكون مناسبة لدفع السلطات المسؤولة إلى طي صفحة هذا الفندق الذي بات منظره مشوها لشارع محمد الخامس. لكن، على ما يبدو، فإن مشروع إعادة بناء الفندق ما يزال متعثرا.

في عام 2005، نشب نزاع بين المالك الأصلي لبناية «بيسونو»، التي تضم فندق لنكولن ومتاجر من حوله، وبين وزارة الثقافة التي صنفت البناية ضمن المباني التاريخية، مما دفع بالجماعة الحضرية إلى اعتماد مسطرة نزع الملكية، فتطور النزاع القضائي، وتطلب سنوات ليصدر القضاء كلمته النهائية، لتمنح سنة 2012 ملكية المبنى للوكالة الحضرية للدار البيضاء، التي التزمت بإعادة تأهيل البناية التاريخية، وفق مخطط كان من المفروض ان ينتهي به العمل قبل سنتين.

© Copyright : DR

لكن، بعدما تم نقل ملكية البناية إلى الوكالة الحضرية، تبرأ المجلس الجماعي منها، لذلك لم تعد تشكل هذه البناية أي أولوية بالنسبة إلى أعضاء المكتب المسير للدار البيضاء. ومنذ ذلك الوقت، بات موضوع إعادة تشييد بناية «بيسونو» مثل كرة نار تتقاذفها الوكالة الحضرية والمجلس الجماعي فيما بينهما من جهة، ومن جهة أخرى هناك صراع بين وزارة الثقافة والوكالة الحضرية يتعلق أساسا بتمويل ترميم البناية، الشيء الذي يحول، حتى الآن، دون أن يجد المشروع طريقه للإنجاز.

مساطر وعراقيل

بحسب مصدر من الوكالة الحضرية للدار البيضاء، فإن "مسؤولية إعادة تهيئة وتجديد فندق لنكولن، مع الحفاظ على الواجهة الأصلية، تقع على عاتق الوكالة الحضرية، بعدما انتقلت إليها ملكية البناية".

المصدر ذاته أشار في حديث مع Le360 إلى أنه من المتوقع أن تنطلق أشغال إعادة تشييد الفندق، الذي يعتبر من بين 40 معلمة مصنفة ضمن تراث فنون العمارة على مستوى جهة الدار البيضاء الكبرى، في غضون السنة الحالية.

وبرر المصدر تأخر انطلاق المشروع كل هذه السنوات، بوجود عراقيل قانونية تواجه انتقال ملكية الفندق لفائدة الوكالة الحضرية، مشيرا إلى أن تنفيذ الأخيرة لمسطرة نزع الملكية لأجل المنفعة العامة، توجد اليوم في مراحلها الأخيرة، بحيث يجب تحديد مبلغ التعويض بصفة نهائية لفائدة ذوي الحقوق وأيضا البث في طلبات التعويض التي تقدم بها حديثا مدعين لامتلاكهم أصولا للتجارة تابعة للعمارة المعنية.

من جهة أخرى، سبق أن صرح المالك الأصلي للبناية التاريخية «بيسونو»، الذي انتزعت منه في إطار مسطرة نزع الملكية، عن أنه اعترض قضائيا على مخطط للوكالة الحضرية، كان يقضي بهدم البناية التاريخية بأكملها، من أجل تشييد عمارة من سبع طوابق مكانها.

واعتبر المالك، وهو مغربي من أصل جزائري، أن مسطرة نزع الملكية تمت على اعتبار أن البناية عبارة عن "تراث"، موضحا أن البناية "إن كانت ستهدم، فلا حق لأحد فيها، ولم تعد تراثا، وبالتالي من حق المالك الأصلي أن يسترجع بنايته، وهو الأحق بأي مشروع عقاري فوق أنقاضها".

وكان المدير السابق للوكالة قد طالب بوضع خطة لإعادة ترميم الفندق الشهير، وتصنيف واجهته من قبل وزارة الثقافة سنة 2000 تراثا هندسيا عالميا، وذلك وفق التصميم الأصلي له، الذي حصلت عليه الوكالة من حفدة المهندس الفرنسي هيبير بريد، الذي تكلف ببنائه سنة 1917.

© Copyright : DR

وكشف المصدر نفسه، أن الوكالة الحضرية اتخذت مجموعة من التدابير موازاة مع الإجراءات القانونية المتعلقة بنزع الملكية وتحفيظ العقار باسم الوكالة، ذكر من هذه الإجراءات "إنجاز تشخيص تقني من طرف مكتب دراسات متخصص الذي يؤكد على الحفاظ على الواجهة"، و"إنجاز دراسات معمارية والحصول على ترخيص من أجل إعادة تهيئة وتجديد الفندق"، بالإضافة إلى "وضع الترتيبات الوقائية التي تحفظ سلامة الجوار ومستعملي الطريق العام، وذلك من خلال تركيب الدعامات وتثبيت الواجهة، والقيام بحراسة العمارة على مدار 24 ساعة".

© Copyright : DR

وفي انتظار ترميم فندق لنكولن، يبقى المنظر الحالي للبناية منفّرا للمارة عبر شارع محمد الخامس ومثيرا للرعب في قلب أي شخص فكر في المرور بجانبه، خوفا من انهيار مفاجئ لجدرانه فوق رأسه.

تحرير من طرف ميلود الشلح
في 15/02/2015 على الساعة 11:54