لا أحد –ربما- كان يتوقع أن يستفيد عبد القادر بلعيرج من العفو الملكي، بمن في ذلك هو نفسه إلى جانب أفراد عائلته، وذلك بالنظر إلى التهم الثقيلة التي أدين بسببها بالمؤبد.
مساء الأحد 30 مارس 2025، على الساعة الحادية عشر ليلا، تم إبلاغ عبد القادر بلعيرج، الذي كان يقضي عقوبته بسجن الأوداية بمراكش، باستفادته من العفو الملكي بمناسبة عيد الفطر، ليغادر أسوار السجن منتصف ليلة العيد، أي ساعة فقط بعد تبشيره بالعفو الملكي، قبل أن تؤكد زوجته رشيدة حتي معانقة زوجها للحرية في وقت مبكر من صبيحة عيد الفطر.
من يكون بلعيرج؟
وُلد عبد القادر بلعيرج سنة 1957 في مدينة الناظور، وهاجر إلى بلجيكا في السبعينيات.
انخرط في العمل الإسلامي وأصبح ناشطا بارزا وسط الجالية المغربية، وكان مقربا من التيارات الإسلامية ذات التوجهات المختلفة، مما منحه شبكة علاقات واسعة.
بيد أن مسيرته لم تقتصر على العمل الدعوي، بل كشفت التحقيقات الأمنية عن تورطه في جرائم خطيرة، من بينها عمليات اغتيال استهدفت شخصيات سياسية في بلجيكا خلال الثمانينيات، وهي الجرائم التي بقيت غامضة لعقود.
واتهم بلعيرج بقيادة خلية سرية تهدف إلى زعزعة استقرار المغرب، وهو ما أدى إلى اعتقاله عام 2008، إلى جانب عدد من الأفراد المرتبطين به.
قصة خلية بلعيرج ومن معه
بين يناير وفبراير من عام 2008، تمكنت السلطات المغربية من تفكيك خلية بلعيرج، التي ضمت 35 شخصا، بينهم سياسيون وصحفي. وأُعلن عن الاعتقال رسميا يوم 18 فبراير من العام نفسه.
وُجهت إلى الموقوفين تهم تخزين الأسلحة والتخطيط لعمليات إرهابية داخل المغرب، مما أثار ضجة كبيرة، خاصة مع اعتقال شخصيات سياسية بارزة، مثل مصطفى المعتصم، الأمين العام لحزب البديل الحضاري، ومحمد المرواني، الأمين العام لحزب الأمة، بالإضافة إلى الصحفي عبد الحفيظ السريتي.
بدأت محاكمة المجموعة في أكتوبر 2008 بمحكمة الاستئناف في سلا، وفي يونيو 2009 صدر حكم بالسجن المؤبد ضد بلعيرج، فيما تراوحت الأحكام على بقية المتهمين بين 10 و30 سنة. لاحقا، أكدت محكمة الاستئناف الأحكام في 2010، ثم صادقت عليها محكمة النقض عام 2011.
وفي 2012، أصدر الملك محمد السادس عفوه عن السياسيين الأربعة والصحافي السريتي. وتم العفو عن اثنين إضافيين في 2017، وخرج 17 معتقلا من السجن بعد أن قضوا عقوبتهم. وبقي 8 تتراوح عقوباتهم بين 15 عاما والمؤبد، وراء القضبان، منهم بلعيرج.
نموذج بلد يكافح الإرهاب
بالنظر إلى الجدل الكبير الذي صاحب اعتقال ومحاكمة بلعيرج فقد شكل الإفراج عنه مفاجأة للكثيرين، بمن فيهم عائلته، حيث قال المحامي عبد الرحيم الهلالي لوكالة الأنباء البلجيكية إن العفو عن بلعيرج شكل « مفاجأة صادمة لعائلته التي تعيش في الديار البلجيكية »، وأضاف: « تم الإفراج عنه فجأة دون قيد أو شرط بعد معركة قانونية استمرت 17 عاما ».
لكن بالنسبة لمتتبعي النموذج المغربي الفريد في التعامل مع المعتقلين المدانين بقضايا التطرف والإرهاب، عن طريق إعادة إدماجهم في المجتمع من خلال برنامج «مصالحة»، فإن الإفراج عن بلعيرج، رغم إدانته بالسجن المؤبد، لم يشكل أدنى مفاجأة.
إذ ليست هذه المرة الأولى التي يتمتع فيها بلعيرج بعفو ملكي، بل سبق له أن استفاد سنة 2022 من عفو ملكي بفضل انخراطه في برنامج « مصالحة »، وهكذا تم تخفيض عقوبته من المؤبد إلى المحدد (25 سنة).
كما استفاد بلعيرج من التفاتة إنسانية عام 2024، حيث سُمح له بمغادرة السجن من أجل حضور جنازة والدته بضواحي الناظور، في مؤشر على تقدير الدولة للعوامل الإنسانية حتى في أصعب القضايا.
ونقرأ في ختام بلاغ العفو الملكي بمناسبة عيد الفطر أن الملك محمد السادس « أبى إلا أن يسبغ عفوه المولوي الكريم على مجموعة من المحكومين في قضايا التطرف والإرهاب، بعدما أعلنوا بشكل رسمي تشبثهم بثوابت الأمة ومقدساتها وبالمؤسسات الوطنية، وبعد مراجعة مواقفهم وتوجهاتهم الفكرية، ونبذهم التطرف والإرهاب ».
وهكذا، يأتي العفو الملكي عن عبد القادر بلعيرج تتويجا لمسار من المراجعة الفكرية، حيث أعلن تراجعه عن مواقفه السابقة ونبذه للتطرف والإرهاب، وفقا لما ورد في بلاغ العفو الملكي.
وتعكس هذه الخطوة النهج الذي تعتمده المملكة في إعادة إدماج المدانين في قضايا التطرف، عبر برامج إصلاحية تمكّنهم من مراجعة قناعاتهم والعودة إلى المجتمع.
مرحبا بكم في فضاء التعليق
نريد مساحة للنقاش والتبادل والحوار. من أجل تحسين جودة التبادلات بموجب مقالاتنا، بالإضافة إلى تجربة مساهمتك، ندعوك لمراجعة قواعد الاستخدام الخاصة بنا.
اقرأ ميثاقنا