لقد شابتها تقلبات وتوترات في كثير من المحطات، حركتها نوازع مصلحية وبراغماتية للطرف الفرنسي الذي مازال يحن إلى زمن أصبح في عداد الماضي، وبلد يسعى إلى تثبيث خطوه المستقل حتى يمكنه التحليق عاليا دون قيود.
في هذا الإطار نستحضر بعض الأمثلة: منها تجميد التعاون الاقتصادي خلال فترة (1967-1969)، وصعود اليسار إلى قصر الإليزيه، بدءً من سنة 1981 مرورا بالخلافات بين البلدين سنة 2014 وصلت إلى حد استدعاء السفير الفرنسي بالمغرب آنذاك شارل فري أكثر من مرة، وتعليق وزارة العدل المغربية لجميع اتفاقيات التعاون القضائي بين البلدين...
والآن تمر العلاقات المغربية الفرنسية بفترة "صمت" مما يؤثر على مستوى العلاقات بين البلدين، حيث نسجل غيابا لتبادل الزيارات الديبلوماسية ومخلفات ما يدعى قضية "بيغاسوس" وتشديد باريس شروط منح التأشيرات للمواطنين المغاربة، ومازاد تبلد سماء علاقات البلدين بالغيوم، نجد أنه في بداية السنة الحالية، خصص البرلمان الفرنسي جلسة مناقشة لموضوع: "حصيلة تحركات فرنسا من أجل احترام القانون الدولي..."، الجلسة تمت بدعوة من الفريق النيابي لليسار وجرت بحضور مرتزقة البوليساريو، وخلال الجلسة أكد جون باتيست لوموان، كاتب الدولة الفرنسي في السياحة والفرنسيين وراء البحار والفرنكفونية، على أن بلاده "تدعو إلى حل سياسي توافقي بين أطراف النزاع يستند إلى مقررات الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي".
واتسمت النبرة الفرنسية الرسمية بالبرود حيث لم يتطرق المسؤول الفرنسي إلى موقف بلاده التقليدي في مجلس الأمن الدولي الداعم لمقترح الحكم الذاتي بالصحراء المغربية.
كما سُجّلت، مؤخرا، مغادرة السفيرين المعتمدين في العاصمتين الفرنسية والمغربية وفي فترات متقاربة مركزيهما.
في الوقت الذي ظهر فيه تطور واضح في مواقف شريكين أوروبيين (ألمانيا وإسبانيا) لهما ثقلهما في سياسة الاتحاد الأوروبي، نجد أن الجانب الفرنسي لم يخرج من منطقته الرمادية حيث نسجل عدم وضوح في الرؤية وعدم اتخاذه موقفا صريحا يدعم مغربية الصحراء، خاصة وأن باريس تفاعلت مع الخطوة الأمريكية التاريخية والتي اعترفت بمغربية الصحراء، بشكل محتشم معلنة دعمها لمقترح الحكم الذاتي وهو موقف دأبت الديبلوماسية الفرنسية على اقتراحه وتأييده على المستويين الأممي والأوروبي، وهو شبه اعتراف بمغربية الصحراء، ولكن دون مستوى القرار الأمريكي الجديد ، في وقت فقدت فيه فرنسا مكانتها التاريخية كأول شريك تجاري واقتصادي للمغرب، في ظل تراجع واضح لنفوذها لصالح قوى دولية أخرى، حيث لا تنظر فرنسا بعين الرضى للخطوات التي اتخذها المغرب خلال السنوات الأخيرة من خلال تنويع شركائه الاقتصاديين والسياسيين والتقليل من التبعية الاقتصادية لها، وكذلك تثبيث أقدامه في إفريقيا جنوب الصحراء في إطار علاقة رابح رابح كأحد الشركاء الاستراتيجيين الاقتصاديين للعديد من الدول خاصة في غرب القارة حيث بات يحتل المرتبة الثانية من حيث الاستثمار على المستوى القاري.
لقد ظلت فرنسا تتمتع لفترات طويلة بمجموعة من الحقوق المكتسبة في شكل معاهدات واتفاقيات مما منحها وضعا تفضيليا غنمت بفضله مجموعة من الامتيازات، لكن فرنسا يجب عليها أن تعي جيدا أن مياه كثيرة جرت تحت الجسر وأن مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس، وأنه ليس متجرا مفتوحا للابتزاز السياسي أو سيركا تعرض فيه مهارات اللعب على الحبال.
إن فرنسا باعتبارها القوة الاستعمارية السابقة إلى جانب إسبانيا تتحمل مسؤولية تاريخية بشأن دعم سيادة المغرب على صحرائه وعليها أن تصحح خطأها الاستعماري وأن تفتح الأرشيف العسكري الذي سيظهر العديد من الحقائق التاريخية التي تبين بشكل واضح مشروعية المغرب التاريخية في صحرائه.
إن المراهنة على براميل الغاز محفوف بالمخاطر، إنها أشبه بقنابل موقوتة قابلة للانفجار، لقد تعلمنا على أيدي علماء الجيوبوليتيك والكثير منهم فرنسيون أن المصالح لا تستقيم إلا على خطين متوازيين وأن الرهان على بنية اقتصادية وسياسية واجتماعية مهزوزة يحكمها نظام عسكري مستبد رهان فاشل.
إن التاريخ المفصلي الذي نعيشه اليوم، يدعونا إلى التصالح مع التاريخ ومع الجغرافيا الحقيقيين من أجل علاقات أكثر متانة وقوة للأجيال المقبلة، ولحسن حظنا ثمة عبارة حكيمة قالها فرانسوا هولاند أثناء زيارته الأخيرة للرباط في معرض تعليقه على علاقات بلاده مع المغرب إن تلك العلاقات "يجب أن تتحسن بالعمل على تجاوز سوء الفهم وتخطي هذه المرحلة الصعبة".
نعم، ثمة درس نتعلمه من هذه الأزمات، أن الرغبة في علاقات أفضل وأقوى وأوضح وأمتن تظل دائما هي الأقوى دوما وأبدا...