قضية بيغاسوس.. لماذا يتم التغاضي عن برامج التجسس الأخرى؟

برامج تجسس

برامج تجسس . DR

في 22/05/2022 على الساعة 16:04

أثارت قضية برنامج التجسس الإسرائيلي بيغاسوس ضجة حقيقية وحشدت الصحافيين الغربيين الذين سارعوا لاستهداف عدة دول بعينها، عن خطأ وبشكل انتقائي، بما في ذلك المغرب. ومع ذلك، هناك عدة برامج تجسس أخرى مشابهة تستخدمها دول الاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص، ولكن يتم التغاضي عنها...

الإخبار يعني الانتقاء والاختيار. هذه القاعدة الصحفية، المتمثلة في وضع تراتبية للموضوعات التي ستعرض على القراء والمشاهدين وفقا لأهميتها، يتم تحريفها أحيانا من قبل بعض وسائل الإعلام، بما في ذلك وسائل إعلامية كبيرة. وإلا كيف يمكن تفسير كل هذه الضجة التي أثيرت وما زالت تثار حول برنامج التجسس بيغاسوس، في حين أن عدة برامج تجسس أخرى معروفة، دون أن تقوم تلك الوسائل الإعلامية نفسها بنشر "الحقائق" بشأن تلك برامج التجسس هاته، و دون أن تعمد أي وسيلة إعلامية أو منظمة إلى انتقاد استخدامها... وانتقاد مستخدميها.

ومع ذلك، يكفي فقط إلقاء نظرة على التقرير الشهير الصادر عن مختبر الأمن الرقمي الكندي سيتيزن لاب (Citizen Lab) الذي نشر قبل بضعة أشهر، وبالتحديد يوم 16 دجنبر 2021، والذي بدون شك قد اطلعت على نتائجه فوربيدن ستوريز ومنظمة العفو الدولية.

بعد سبعة أشهرـ أي في يوليوز 2021، عالجت 17 وسيلة إعلامية دولية ثم قامت بنشر قائمة تضم 50 ألف رقم هاتفي تم استهدفتها بواسطة بيغاسوس، البرنامج المملوك لشركة إن إس أو الإسرائيلية. وقد أظهرت هذه الوسائل الإعلامية، في تعاملها مع المعلومات التي تم تسليمها لها، انتقائية بخصوص البلدان التي تم التنديد بها. فقد تم ذكر 11 دولة فقط، بما في ذلك المغرب، في حين اتضح أن إن إس أو لديها ما لا يقل عن 45 زبونا، معظمهم من الدول الأوروبية.

والغريب في الأمر أنه لم يطرح أي تساؤل حول هذه الدول الأوروبية التي تمتلك وتستخدم بيغاسوس. الدولة الأوروبية الوحيدة التي تم إدراجها في القائمة السوداء من قبل منظمة فوربيدين ستوريز هي بلغاريا التي يقودها فيكتور أوربان، العدو اللدود لعدد من الدول الأوربية.

أما أجهزة المخابرات المغربية فقد تم تقديمها على أنها الأكثر شراهة، ووفقا لما كشفته هذه وسائل الإعلام، فإنها متهمة بتنفيذ عملية تجسس جماعي استهدفت أكثر من عشرة آلاف شخص، بمن فيهم رؤساء دول. وقد نفى المغرب نفيا قاطعا استخدامه لبيغاسوس وندد بالهجمة الكاذية وطالب بالأدلة، التي لا وجود له، ولكن لا شيء من ذلك حصل.

لكن ماذا عن بقية البرامج التي تتكاثر وتزدهر بينما تستمر بعض وسائل الإعلام، بما في ذلك الصحف الفرنسية، في التهجم على المغرب، كما حدث خلال "فضيحة التنصت الأخيرة على هاتف بيدرو سانشيز"؟

ومع ذلك، يبدو من تقرير سيتيزن لاب أن العديد من الأجهزة الأمنية في العالم، وخاصة في أوروبا، قد حصلت في السنوات الأخيرة على برامج مماثلة من أجل التجسس على الهواتف الذكية، وكذلك على أجهزة الكمبيوتر. وعلى غرار بيغاسوس، تمكن برامج التجسس هاته من استعادة البيانات المخزنة في هذه الأجهزة. "نكتشف"، في هذه الحالة، وجود برنامج على الأقل بنفس قوة بيغاسوس، ويتعلق الأمر ببرنامج بريداتور الشهير (Predator)، وهو برنامج مملوك لشركة سيتروكس (Cytrox)، وهي نفسها جزء من شركة إنتيليكسا التي يوجد مقرها في اليونان.

كشفت سيتيزن لاب عن بعض الدول التي استخدمت هذا البرنامج: أرمينيا ومصر واليونان وإندونيسيا والمملكة العربية السعودية وصربيا... ولكن مرة أخرى، هذه القائمة ليست شاملة وتحتاج بدورها إلى التحقق منها. وعندما نعلم، وفقا لسيتيزن لاب، أن إنتيليكسا هي علامة تسويقية لمجموعة من مقدمي خدمات الرقابة، والتي ظهرت في عام 2019، من خلال تحالف تم تشكيله من أجل "منافسة إن إس أو"، وتتواجد "قي الاتحاد الأوروبي ومنظمة، مع ستة مواقع ومختبرات للبحث والتطوير، في جميع أنحاء أوروبا"، فإن كل شيء يصبح مفهوما.

بالإضافة إلى برنامجي بيغاسوس وبريداتور، هناك العديد من برامج التجسس الأخرى التي لها نفس المزايا. هناك، على سبيل المثال، برنامج راين (Reign)، الذي تصنعه شركة كوادريم QuaDream الإسرائيلية المنافسة لمجموعة إن إس أو والتي تم الكشف عن وجودها بشكل مفاجئ في نفس الوقت مع تفجر قضية بيغاسوس خلال عام 2021.

وتؤكد وكالة رويترز نقلا عن مصادر مطلعة إن شركة كوادريم هي شركة إسرائيلية أصغر وأقل شهرة من منافستها إن إس أو، ولكنها تطور أيضا أدوات للتجسس على الهواتف الذكية موجهة لزبناء حكوميين.

في العام الماضي، طور برنامج راين القدرة نفسها على اقتحام أجهزة أيفون وأبل عن بعد دون الحاجة إلى فتح رابط ضار. ويطلق عليه اسم "صفر نقرة" وقد تم استخدامه من قبل الشركتين عبر نفس الطريقة. "ForcedEntry"، الذي يعتبر "أحد أكثر النجاحات على المستوى التقني" التي لم يتمكن الباحثون في المجال الأمني من اكتشافها.

هناك أيضا كنديرو (Candiru)، وهي شركة أمن معلوماتي إسرائيلية تأسست عام 2014، ومعروفة بكونها واحدة من أكثر شركات التجسس الإلكتروني الإسرائيلية تقدما في هذا المجال. وتقدم على وجه الخصوص برامج التجسس، الذي يحمل نفس اسم الشركة، والذي يمكن استخدامه لاختراق المنصات الرقمية. في هذه الحالة، كان بإمكان برنامج كنديرو الكشف عن انتشاره في عشر دول أن يحدث ضجة إعلامية أكثر بكثير. لكن لا شيء من ذلك حصل.

توضح أمثلة كنديرو وراين و بريداتور أن برنامج بيغاسوس الذي تصنعه إن إس أو ليس فريدا من نوعه. تخفي شجرة بيغاسوس في الواقع غابة كاملة من التجسس الإلكتروني. "هناك الآلاف من الأدوات التي تسمح بالتجسس على الهاتف المحمول"، بحسب ما أكده باستيان بوبي، المدير التقني لجنوب أوروبا في شركة الأمن الإلكتروني على الهواتف الذكية لوك أوت (Lookout)، وفق ما ذكرته فرانس 24.

في الحقيقة، تتميز العشرات فقط من هذه البرامج، من خلال كفاءتها الكبيرة ولكن قبل كل شيء من خلال السرية التي تتيحها لمستخدمها، ولكن كيف نفسر الاهتمام فقط ببرنامج واحد فقط: بيغاسوس، فيما يتم التغاضي عن البرامج الأخرى؟ من المؤكد أن الإخبار يعني الاختيار، في خرق سافر لمهنة الإخبار ذاتها.

تحرير من طرف طارق قطاب
في 22/05/2022 على الساعة 16:04