مهزلة سياسية جديدة في الجزائر: تبون يعزل رئيس المحكمة الدستورية بطريقة مهينة

الرئيس تبون يعزل عمر بلحاج من منصب رئيس المحكمة الدستورية بطريقة مهينة

في 22/06/2025 على الساعة 11:41

أسالت مهزلة أخرى من مهازل النظام العسكري الحاكم في الجزائر، الكثير من المداد وسط الجزائريين في الداخل والخارج، بسبب فضيحة سياسية ودستورية جديدة تتمثل في تعيين رئيس المحكمة الدستورية عمر بلحاج سفيرا في دولة الكويت، وذلك في الوقت الذي كان الرجل لا يزال يشغل أعلى منصب قضائي في البلاد، في سابقة تؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن النظام فاقد للبوصلة ويتخبط بلا تخطيط.

تفاجأ الجزائريون يوم الثلاثاء 17 يونيو بقصاصة بثتها وكالة الأنباء الجزائرية تعلن فيها أن «الحكومة الكويتية وافقت على تعيين السيد عمر بلحاج، سفيرا فوق العادة ومفوضا للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية لدى دولة الكويت».

 المفاجأة ليست في السن المتقدم لعمر بلحاج (85 سنة)، وإنما في كونه ما يزال حتى ذلك الوقت رئيسا للمحكمة الدستورية، وهما منصبان متعارضان لا يمكن الجمع بينهما، إذ لا يمكن الجمع بين منصب قضائي وآخر دبلوماسي.

وأثارت هاته القصاصة صدمة كبيرة في أوساط الجزائريين بالداخل والخارج، ليس فقط بسبب التناقض القانوني الصارخ، وإنما لأن عمر بلحاج كان إلى وقت قريب أحد أبرز رموز النظام، ومن أشدّ المدافعين عن شرعيته «المهزوزة».

مكافأة أم إهانة؟

بلحاج، المحامي الذي أتى به صديقه (وموكله سابقا) الرئيس عبد المجيد تبون عام 2021 وعينه رئيسا للمحكمة الدستورية، قاد واحدة من أكثر العمليات إثارة للجدل في تاريخ القضاء الجزائري، بعد أن «صدّق» على النتائج النهائية للانتخابات الرئاسية الأخيرة، المشكوك في نزاهتها، حيث يُتهم عمر بلحاج بـ«تزكية» نتائج تم تضخيمها بشكل مفضوح، بل أكثر من هذا، لم يتردد رجل القانون هذا في أن يجزل العطاء لصديقه تبون بأن منحه أزيد من 6 ملايين صوت إضافي...

وكان يُنتظر، بحسب مراقبين، أن يُكافأ بمنصب تشريفي رفيع. لكن ما حدث كان أشبه بإزاحة مهينة، قُدّمت في شكل «ترقية دبلوماسية».

إقالة بثوب الاستقالة

أمام عاصفة الاستهجان التي اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي، واتهامات بتعيين رجل في منصبين متناقضين في الآن ذاته، سارع النظام –كعادته- إلى البحث عن طريقة لاحتواء الفضيحة. وبعد يومين فقط، أعلنت صفحة الرئاسة الجزائرية على «فيسبوك» أن الرئيس تبون « استقبل عمر بلحاج بطلب منه، حيث سلّمه رسالة استقالة لأسباب شخصية ».

لكنّ الشارع الجزائري لم يقتنع بهذا السيناريو، حيث تساءل الكثيرون عن منطق «الاستقالة لأسباب شخصية» يتبعها تعيين فوري في منصب سفير، ليُضاف هذا المشهد العبثي إلى سلسلة من المهازل التي تلطّخ صورة المؤسسات الجزائرية في الداخل والخارج.

وبعد كل هذا الجدل الذي اشتعل في المنصات الرقمية، انتبه النظام الحاكم متأخرا إلى شغور منصب رئيس المحكمة الدستورية الجزائرية، فسارع إلى البحث عن خليفة للرئيس المعفى من منصبه، ولم يجد سوى امرأة تدعى عسلاوي ليلى (80 سنة)، بصفتها العضو الأكبر سنا، حيث ستتولى مؤقتا رئاسة المحكمة الدستورية.

وقوبل هذا القرار بسخرية لاذعة من الجزائريين، الذين سخروا من تناقض شعارات «تشبيب الدولة» -الذي يروج له تبون منذ عهدته الأولى- وواقع إعادة تدوير العجزة وكبار السن في مناصب حساسة، في وقت تغرق فيه الكفاءات والأطر الشابة في مستنقعات البطالة والهجرة واليأس.

سخط شعبي وسخرية لاذعة

عجّت منصات التواصل الاجتماعي بتعليقات لاذعة، اعتبرت أن النظام الحاكم يتخبط بلا رؤية ولا احترام للمؤسسات. كتب أحد الجزائريين الغاضبين: «من يزوّر الانتخابات لا يستحق مكافأة دبلوماسية بل محاكمة»، ورد عليه معلق آخر قائلا: «هذا هو اللي زوّر الانتخابات وزاد لتبون أكثر من ستة ملايين صوت».

بينما تساءل آخر عن جدوى منح سفارة بهذه الحساسية لشخص في عمر 85 سنة، في وقت تتخبط فيه كفاءات وأطر شابة بلا أفق ولا فرصة.

ووصف المعارض الجزائري أنور مالك هذه الواقعة بـ«المهزلة»، مؤكدا أن تبون منذ أن تولى رئاسة البلاد (في 2020) قد حول النظام إلى «مسخرة» حيث «فقد القدرة على التقدير والتخطيط، في بلد يفتقر للحد الأدنى من الحكامة والاحترام المؤسساتي».

وأجمع غالبية المعارضين الجزائريين المقيمين في الخارج، مثل هشام عبود وسعيد بنسديرة، على أن تحويل رئيس المحكمة الدستورية إلى سفير ليس فقط غير مألوف في الأعراف الدستورية، بل يكشف عن خلل خطير في آليات اتخاذ القرار داخل النظام الجزائري. فبدلا من ترسيخ مبدأ فصل السلطات واستقلال المؤسسات، يُظهر هذا التحول أن المناصب السيادية تُمنح وتُسحب بمنطق الولاء، لا بميزان الكفاءة أو الدستور.

كما أثار توقيت هذا الإعفاء الكثير من الشكوك، حيث اعتبر هؤلاء المراقبين أن بلحاج أدى « مهمته » المتمثلة في تغطية نتائج انتخابات مشكوك في صحتها، ثم تم التخلص منه بهدوء. إما لأنه لم يعد مرغوبًا فيه، أو لأنه عبّر عن امتعاضه من المسار السياسي الذي سارت فيه الأمور، فدُفع نحو الهامش عبر بوابة السفارة.

نظام بلا بوصلة

في ضوء هذه الفضيحة الدستورية الجديدة، يتّضح بما لا يدع مجالا للشك أن النظام الجزائري لا يزال غارقا في منطق الارتجال والانفعال، بعيدا كل البعد عن منطق الحكامة الرشيدة واحترام مؤسسات الدولة. فبدل أن يكون ضامنا لاستقرار مؤسساتي يعيد الثقة للمواطن، يمعن في العبث السياسي وتصفية الحسابات داخل دوائر الحكم، متجاهلا عواقب قراراته المرتجلة على صورة البلاد داخليا وخارجيا.

 نظامٌ كهذا، لا يعترف بالتدرج المؤسساتي ولا بمبدأ الفصل بين السلط، لا يمكن أن يكون مؤهلا لبناء دولة قانون، بل فقط لإعادة إنتاج الأزمة.. بمشاهد أكثر عبثية وفوضى.

تحرير من طرف ميلود الشلح
في 22/06/2025 على الساعة 11:41