ورغم أنّ المؤسسات الرسمية الجزائرية لم تقف عند أسباب إقالة حشيشي، إلاّ أنّ العديد من المنابر الجزائرية، تُجمع أنّ السبب كامنٌ في طبيعة الاختلالات المالية وسوء التسيير الإداري الذي حاول النظام أنْ يتغاضى عنه، حتى لا يثير ذلك قلق المجتمع ويعمل على تنظيم مظاهرات ووقفات احتجاجية تدين الفساد الذي ينخر الشركة الحكومية «سوناطراك». خاصة وأن سمعة الشركة التي يعتبرها النظام «القلب النابض للاقتصاد الوطني» تظلّ على المحك بعد سلسلة من الارتباكات الإدارية والمالية التي طالت مجمع «سوناطراك»، سيما في قضية ما بات يُعرف عربياً بـ «زيت الوقود المغشوش» في صفقة بين النظام الجزائري والدولة اللبنانيّة.
فقد تركت هذه الصفقة جدلاً كبيراً سنة 2020 ورغم أنّ لبنان طوى صفحة الوقود المغشوش وبدأ يفكّر في استئناف عملية استيراد الوقود الجزائري بنصف الثمن مثل الوقود الروسي، إلاّ أنّ الصفقة تركت أثرها الكبير على تاريخ العلاقات الاقتصادية بين الجزائر ولبنان، بعدما توقفت عملية استيراد الوقود الجزائري حوالي 4 سنوات. وقد حاولت الشركة الجزائرية آنذاك التنصّل من المشكل، إلاّ أنّ ذلك ظلّ بمثابة وصمة عار على جبين نظام العسكر الفاسد، في وقتٍ ندّد فيه العديد من السياسيين داخل البرلمان اللبناني بضرورة تكثيف التحقيقات من أجل معرفة خفايا ملف الوقود المغشوش الذي تتحكم فيه الجزائر كامل مسؤوليتها، باعتبارها الطرف المصدر لهذه الوقود.
يستيقظ المجتمع الجزائري على وقع تغيير مدير وتعويضه بآخر جديد في خطوة شغلت الساحة السياسية عن جدوى هذا التغيير، وفي وقتٍ تعيش في الجزائر أكثر المراحل فساداً وبؤساً في تاريخها الحديث، خاصة حين يتعلّق الأمر بشركة حكومية بات همّها الوحيد هو استنزاف خيرات البلد وتحقيق مكاسب اقتصادية كبرى لصالح عبد المجيد تبون، حتّى لو كان ذلك على أجساد الفقراء داخل المجتمع.
وبغضّ النّظر عن الدوافع التي جعلت الجهة الوصية على القطاع تُقيل رشيد حشيشي، فإنّ ذلك يُظهر بقوّة طبيعة الصراع الدائر داخل الاجتماع الجزائري وكيف يسعى نظام العسكر إلى إحكام قبضته على جميع المسالك الاقتصادية التي تذرّ أموالاً طائلة على النظام. بيد أنّ قرار الإعفاء والتعيين، لم يكن فقط السبب وراء «انتفاضة» الناس على وسائل التواصل الاجتماعي، وإنّما الأسباب الحقيقية التي تجعل من النظام الجزائري يُعيّن على مدار 15 سنة حوالي 12 مديراً تنفيذياً لـ «سوناطراك».
إنّ التغيير الإداري المتجدّد للشركة، يكشف بعمق عن الاختلاسات المالية بمختلف صفقاتها المشبوهة هنا وهناك، كما ينم عن مدى رغبة السلطة في إحكام قبضتها على «سوناطراك» وجعلها «بقرة حلوب» لتحقيق عائدات مالية كبيرة تستغلّها الجزائر في دعم مليشيات البوليساريو منذ عهد الراحل عبد العزيز بوتفليقة.
وعلى الرغم من كون بعض الباحثين يرجعون أزمة النفط الجزائري إلى الاستعمار ومشاكله العويصة مع الجزائر، إلاّ أنّ هذه الرواية تظلّ غير صحيحة، بل إنّ المشكل كامنٌ بدرجة أولى في الصراع السياسي الدائر داخل قبّة النظام الجزائري بين العديد من الجنيرالات الذين يريدون إحكام قبضتهم الإدارية على «سوناطراك» بما جعل العديد من الشركات الأجنبية تنفر من هذه المشاكل وتنسحب بقوّة من المشهد النفطي الجزائري، بسبب تفاقم النزاعات الإيديولوجية داخل نظام العسكر.
إذْ تشغل مداخيل المحروقات أكثر من نصف الاقتصاد الجزائري، وهو ما سيجعلها أمام مأزق حقيقي مستقبلاً، بسبب غياب تنوّع الموارد الاقتصادية وتقوقع سياستها على جسد المحروقات من خلال شركة «سوناطراك» التي راهنت سنة 2025 على تعزيز وتيرة عمليات الحفر الاستكشافي الذي فاق حوالي 466 ألف متر من الحفر. بيد أنّ الاعتماد الذاتي في عملية الحفر، ليس مهماً بشكل كبير، دون اللجوء إلى شراكة أجنبية، رغم ادعاء المؤسسات الرسمية توجهها الجديد، إلى فتح شراكات مع شركات عالمية وهمية، انطلاقاً من الاعتماد الضمني على تقنيات حديثة على مستوى الاستكشاف.





