الجزائر.. إفلاس مصالح الاستخبارات يثير قلق التمثيليات الديبلوماسية الأجنبية

DR

في 06/12/2020 على الساعة 16:10

منذ إقالة الجنرال "توفيق" في عام 2015 وحل مديريته للاستعلام والأمن سيئة السمعة، أصبحت المخابرات الجزائرية هاوية. والنتيجة الحتمية: صناع القرار في الجزائر أصبحوا يبحرون على غير هدى وبدون بوصلة، بسبب نقص المعلومات الموثوقة والمؤكدة.

قال ديبلوماسي يعمل بالجزائر لـLe360 إن الارتباك والفوضى السائدين حاليا في الجزائر مخيف للغاية. وأشار مصدرنا ليس فقط إلى الأزمة متعددة الأوجه المستعرة في القطاعات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وخاصة شغور منصب الرئاسة، ولكن قبل كل شيء إلى المخاطر الكامنة في المناخ غير الصحي السائد داخل أجهزة المخابرات الجزائرية حاليا. في الواقع، عندما تصبح المعلومات الموثوقة التي من المفترض أن توفرها هذه الأجهزة لصناع القرار السياسي والعسكري في البلاد منعدمة، لن يتفاجأ المرء حينها من تزايد القرارات السيئة في الآونة الأخيرة وأحيانا شلل السلطة الجزائرية.

وهكذا، فبالنظر إلى عدم الاستقرار المزمن في المناصب القيادية لأجهزة المخابرات التي يحتكرها جيش تنخره الحروب الداخلية وتصفية الحسابات بين الجنرالات، فإن جمع المعلومات ومعالجتها وتحليلها ثم إتاحتها لصناع القرار السياسي والاقتصادي والعسكري تصبح أمرا ثانويا.

بين نهاية شهر مارس وبداية شهر ماي فقط، تغير رؤساء جميع أجهزة المخابرات والأمن الرئيسية الثلاثة في الجزائر: المديرية المركزية لأمن الجيش (التي يسيطر عليها الآن الجنرال سيد علي ولد زميرلي) والمديرية العامة للأمن الخارجي (التي يديرها محمد بوزيت الملقب بالجنرال يوسف) والمديرية العامة للأمن الداخلي (التي يديرها الجنرال عبد الغني راشدي).

ونتذكر أنه أثناء تنصيب عبد الغني راشدي على رأس الشرطة السياسية القوية التي يحتكرها الجيش، نشر رئيس أركان الجيش، سعيد شنقريحة، غسيل الصراعات الداخلية التي تنخر الجيش أمام الملأ. فقد عين عبد الغني راشدي مرتين في المديرية العامة للأمن الداخلي (المرة الأولى كنائب للمدير العام واسيني بوعزة "بصلاحيات واسعة" في 8 أبريل ثم مديرا عاما في 13 أبريل)، الأمر الذي تطلب توقيع مرسومين مختلفين في ستة أيام فقط من قبل عبد المجيد تبون بأمر من مرؤوسه (!).

وخلال هذا التنصيب "القسري" لعبد الغني راشدي، ألقى سعيد شنقريحة خطابا تعوزه اللباقة، لكنه يعكس بكل جلاء الحالة المأساوية التي توجد فيها "الاستخبارات" الجزائرية. وهكذا، من خلال فرض عبد الغني راشدي على رأس المديرية العامة للأمن الداخلي، أطلق سعيد شنقريحة كلمتين تحملان أكثر من دلالة.

فهو أولا طالب أطر المديرية العامة للأمن الداخلي بـ"إطاعة" قائدهم الجديد، وهو أمر واضح في التسلسل الهرمي العسكري (حيث يكون القائد دائما على حق حتى لو كان مخطئا)، ولكن هذا التذكير يشير إلى مناخ التمرد، وبالتالي عدم الفعالية، السائد داخل المديرية العامة للأمن الداخلي.

ومن جهة أخرى، طالب هؤلاء الأطر أنفسهم بعدم "إفشال" سياسات الرئيس الجزائري الجديد عبد المجيد تبون، الذي هو-وهنا وجه المفارقة- القائد الأعلى للقوات المسلحة ووزير الدفاع.

عندما يتم إلقاء مثل هذا الخطاب علنا أمام كبار الضباط، بالإضافة إلى مسؤولي الأمن، خلال حفل بث لأول مرة في تاريخ "الاستخبارات" الجزائرية بواسطة التلفزيون الحكومي، فهذا يعني عدم انسجام المؤسسات المختلفة التي تدير البلاد. وهناك العديد من الأمثلة التي تؤكد هذه الحقيقة.

لنبدأ بالجنرال المتقاعد عبد العزيز مجاهد، الذي أعاده سعيد شنقريحة إلى قصر المرادية، من خلال تعيينه كمستشار عسكري لعبد المجيد تبون، ولكنه عين في حقيقة الأمر كعين للمديرية العامة للأمن الداخلي التي تراقب من خلاله الرئيس تبون الذي "جاء به العسكر بالتزوير" وفق أحد الشعارات المعروفة للحراك الجزائري.

هذا الجنرال المعروف بأنه من أحد مريدي الجنرال "توفيق"، الذي قال عنه ذات مرة، على شاشة التلفزيون، إنه "طائر نادر"، انتهى به الأمر بطرده من قبل تبون عقب فضيحة الأخبار الكاذبة التي تسببت في تكذيب لاذع لقصر المرادية من قبل الأمم المتحدة بجنيف التي اعترفت بالتحقيق في شكوى تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان في الجزائر.

لكن عبد العزيز مجاهد لم يفقد ثقة سعيد شنقريحة الذي عينه، وكأن يستهزأ من عبد المجيد تبون، على رأس المعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية الشاملة في بشار. ومن خلال تكليف إدارة معهد مكلف بالدراسات الاستراتيجية إلى شخص يحن إلى الحرب الباردة والذي لا يتوفر على أي دبلوم ولم يسبق له القيام بأي بحث، فإن قائد الجيش الجزائري أظهر بالفعل أنه هاو. والنتيجة: تعيين رجل، كل "تحليلاته" (هذا إذا كان يتوفر بالفعل على تحليلات) ظلت مرتبطة بالحرب الباردة والنضال ضد الاستعمار، للقيام بدراسات استراتيجية يمكن أن تساعد صانعي القرار في تحليل الوضع الراهن.

وللتذكير فإن هذا المعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية ترأسه لفترة وجيزة عبد الغني راشدي فور عودته من الإمارات، حيث عمل ملحقا عسكريا، إذ ترك عدة شركات تديرها ابنته وصهره وأحد أبنائه، بحسب الدبلوماسي الجزائري السابق واللاجئ في المملكة المتحدة، محمد العربي زيتوت.

على أي حال، إذا نجح عبد الغني راشدي في قطاع الأعمال، فإن إدارته للمديرية العامة للأمن الداخلي كانت كارثية. وبحسب مصدرنا، فإنه منذ تعيينه على رأس هذه المديرية يتجاوز جميع الأطر الكبيرة ويتعامل بشكل مباشر مع رؤساء فروع المديرية في جميع أنحاء البلاد الذين يبعثون بتقاريرهم إليه مباشرة.

وهذا ما يفسر التوترات المتكررة بين عبد الغني راشدي وساعده الأيمن، اللواء عاشور وضاحي، الذي كان يعمل في دائرة الاستعلام والأمن سابقا، حيث كان يترأس مصلحة "الاستخبارات الاقتصادية". كما نقل ضابط مخابرات آخر ذو خبرة كبيرة هو العقيد نبيل بنحمزة، وهو أيضا مسؤول سابق في دائرة الاستعلام والأمن والمديرية المركزية لأمن الجيش، بسبب العصيان، إلى بلدة تمنراست (2700 كلم من العاصمة)، وهي مدينة في جنوب شرق الجزائر تقع في وسط الصحراء، على الحدود مع مالي والنيجر.

في الحقيقة، عبد الغني راشدي غير مؤهل لقيادة المخابرات الجزائرية، وفقا للعديد من الأطر العاملة في المديرية العامة للأمن الداخلي. إنه يحاول فرض سلطته من خلال فرض العقوبات التأديبية، الأمر الذي خلق احتقانا كبيرا في هذه المؤسسة المهمة.

هذا الاستبداد الذي أبان عنه رئيس المديرية العامة للأمن الداخلي كشفت عنه العديد من الأحداث الأخيرة. دون الحديث عن الأخبار المغلوطة والكاذبة المتكررة بشأن مرض تبون الذي يبقي الجزائريين في حالة ترقب، لم يتوقع عبد الغني راشدي الضربة القاسية التي وجهها المغرب لانفصاليي البوليساريو، الذين دفعتهم الاستخبارات الجزائرية لعرقلة الممر التجاري للكركرات. ناهيك عن الوضع في ليبيا حيث يضطر النظام الجزائري إلى متابعة الأخبار من خلال قراءة الصحف.

هذه الوضعية دفعت صحيفة جزائرية إلى القول بأن "أجهزة المخابرات بحاجة إلى أشخاص لديهم خبرة في الميدان ولديهم معرفة كاملة بالقضايا الحساسة وبعيدون عن كل الصراعات الداخلية". ويضيف مصدرنا أن العديد من التمثيليات الديبلوماسية في الجزائر العاصمة قلقون بشأن المعلومات غير الدقيقة التي توفرها مصالح الاستخبارات لمراكز صنع القرار وعدم احترافية مصالح التواصل التي أصبحت تنشر في الآونة الأخيرة الأخبار الزائفة.

تحرير من طرف Le360
في 06/12/2020 على الساعة 16:10