وفي خضم أزمة غير مسبوقة استمرت لعدة أشهر بين الجزائر وفرنسا، لا تزال التوترات على أشدّها. فالعلاقات بين البلدين أصبحت ساحة شدّ وجذب خطيرة قد تؤدي إلى نتائج كارثية.
لقد كثّف النظام الجزائري من الاستفزازات والتدخلات في الشؤون الفرنسية، بدءًا من اعتقال الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال في نوفمبر 2024 والحكم عليه بالسجن خمس سنوات، مرورًا برفض الجزائر المتواصل استقبال مواطنيها الذين صدر بحقهم أمر بمغادرة التراب الفرنسي، فضلا عن استغلال الجالية الجزائرية في فرنسا عبر مؤثرين تابعين للنظام يروّجون لخطاب الكراهية والعنف... وصولا إلى حادثة اختطاف المعارض الجزائري واليوتيوبر « أمير دي زاد » من على الأراضي الفرنسية على يد عناصر جزائرية.
وقد مثّلت هذه الحادثة بداية تصعيد جديد، رغم مؤشرات تقارب أعقبت زيارة وزير الشؤون الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو إلى الجزائر يوم 6 أبريل. لكن بعد توقيف عميل قنصلي جزائري متورط في عملية الاختطاف، ردّ النظام الجزائري في 14 أبريل بطرد 12 دبلوماسيا فرنسيا. وجاء الرد الفرنسي سريعا بطرد 12 دبلوماسيا جزائريا في اليوم التالي، لترد الجزائر مجددا في 11 مايو بطرد 15 موظفا فرنسيا إضافيا.
تهديدات باريس: نحو نشر قائمة أولى من الأسماء
قررت فرنسا الرد بأسلوب « فوري، حازم ومتناسب »، بحسب تصريحات وزير الداخلية برونو ريتايو، وكان من بين الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها وزارة الخارجية الفرنسية في 16 مايو، تعليق اتفاق 2007 الذي يسمح لحاملي الجوازات الدبلوماسية بالتنقل بين البلدين دون تأشيرة.
لكن تحسبا لتصعيد جديد، تفكر فرنسا في اللجوء إلى إجراء أكثر إيلاما بالنسبة لكبار مسؤولي النظام الجزائري، يتمثل في تجميد ممتلكاتهم في فرنسا.
وبحسب ما نقلته «لكسبرس»، فإن هذه الفرضية التي تحدّث عنها الوزير برونو ريتايو منذ يناير الماضي أصبحت « محل دراسة جدية ». حيث تم بالفعل إعداد قائمة أولية تضم حوالي عشرين مسؤولا جزائريا يشغلون مناصب عليا في المجالات الإدارية والأمنية والسياسية، ويملكون ممتلكات أو مصالح مالية في فرنسا.
ويتعلق الأمر خصوصا بمسؤولين في جهاز الاستخبارات الجزائري تورطوا في قضية أمير دي زاد، أو في اتخاذ قرارات متعلقة برفض إصدار التصاريح القنصلية.
وهذا النوع من الحالات ليس استثنائيا. فبحسب المصدر الحكومي الذي تحدث للصحيفة، « يوجد نحو 801 من أفراد النخبة الجزائرية لديهم مصالح مالية في فرنسا ويزورونها بانتظام، دون احتساب العسكريين ».
كانت هذه العقوبات في البداية مقررة لتُطبق فقط إذا رفضت الجزائر استعادة مواطنيها المطرودين، لكن بات من المرجّح أن تُستخدم في حالات أخرى، كأداة ضغط في المفاوضات الدبلوماسية، وفق المصدر ذاته. وفي تحذير أولي، تفكر باريس في نشر قائمة الأسماء إذا أقدمت الجزائر على خطوات عدائية جديدة.
لا ملاذ قانوني للجزائر خلف تشريعات الاتحاد الأوروبي
لا يمكن للجزائر الاعتماد على حماية قوانين الاتحاد الأوروبي، إذ بعكس العقوبات المفروضة على رجال أعمال روس منذ 2014، فإن تجميد الأصول الجزائرية سيكون بموجب القانون الفرنسي المحلي، الذي يُجيز منذ عام 2006 لوزيري الاقتصاد والداخلية إصدار مرسوم مشترك لتجميد أموال أشخاص مرتبطين بأعمال إرهابية.
وإن تعذّر إثبات صلة المعنيين بالإرهاب، فإن فرنسا تملك ورقة أخرى: « المصالح الأساسية للأمة »، وهو مبدأ تنص عليه مادة جديدة (L562-1) من قانون النقد والمالية الفرنسي، دخلت حيّز التنفيذ في 25 يوليو 2024، ضمن قانون مكافحة التدخلات الأجنبية.
إقرأ أيضا : فضيحة معاشات المتقاعدين الجزائريين: فرنسا تعلن الحرب على تحايل يكلفها 80 مليون يورو سنويا
تنص هذه المادة على إمكانية تجميد أصول أي شخص متورط في أعمال تدخل لصالح قوة أجنبية بهدف الإضرار بالمصالح الوطنية الفرنسية. وقد أصبح مصطلح « التدخل » يعرفه القانون الفرنسي بأنه أي تصرف، مباشر أو غير مباشر، يتم بطلب أو لصالح جهة أجنبية ويهدف إلى تقويض المصالح الأساسية للأمة.
ويُعد النظام الجزائري متمرسًا في مثل هذه التدخلات، كما أظهرت عدة تحقيقات، سواء من خلال استغلال مقتل الشاب نائل في 2023 لتأجيج الشارع الفرنسي، أو حملات الكراهية ضد المعارضين، أو تحويل الجامع الكبير في باريس إلى أداة تأثير سياسي.
عقوبة مزدوجة: نشر الأسماء ثم التجميد الفعلي
وفقًا لمحامي مختص في تجميد الأصول، رونو دوليغيل، فإن نشر قائمة الأسماء ما هو إلا مقدمة لعقوبات أكثر صرامة. ففي حال تطبيق الإجراء، سيُمنع المعنيون من دخول ممتلكاتهم أو التصرف بحساباتهم المصرفية لمدة ستة أشهر قابلة للتجديد.
ولتفعيل هذه العقوبات، سيكون على الحكومة الفرنسية أن تثبت أن الأشخاص المستهدفين قد أضروا عمدًا بالمصالح الفرنسية.
وهذا ما قد يُرعب النظام الجزائري من أعلى مستوياته، خاصة بعد نشر « لو جورنال دو ديمانش » في 10 مايو تحقيقًا استند إلى وثائق سرية وتقارير مفصلة، يثبت تورط الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون شخصيًا في العمليات الاستخباراتية الجزائرية داخل فرنسا وإسبانيا وحتى داخل الجزائر، والتي استهدفت المعارضين وكل من يرفض شرعيته.








