لقد وضعت هذه الاستراتيجية، بذكاء، الأسس التي مكنت من تفعيل الانتقال من نشاط مؤسس على إيراد ريعي نحو اقتصاد يتوخى التميز في الأداء وتحريك التنمية الجهوية وما يصاحبها من انعكاسات ملموسة منشودة لفائدة المجتمع والمصالح الاستراتيجية للبلاد.
فالصنف المهني الذي نمثله، والذي فعّل مشروعا رائدا وأساسيا في الاستراتيجية، يخضع لالتزامات من خلال دفاتر التحملات مع الدولة، وقد عمل على الانتقال من الكلاسيكي المتمثل في الاستفادة من رخصة الصيد مقابل أداء رسوم سنوية إلى تحقيق مشاريع مندمجة بين البحر واليابسة تمثل السفينة فيها حلقة في سلسلة تنتهي بمنتوج يتم تثمينه على اليابسة، بطريقة تحقيق أقصى القيمة، والذي تعتبر الانعكاسات على مناصب الشغل وديناميكية الأنشطة الموازية شرطا ومطلبا ضروريا استدعى من المستثمرين الضخ برساميل هائلة.
وفي هذا الباب، كان الهدف من ربط المراكب بمنطقة الصيد المجاورة وتوطين التثمين في الجهة هـو خـلق منظومة وبيئة تساهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للجهة وفي استقرار التشغيل والرفع من المسؤولية المباشرة للمستثمرين بخصوص استدامة الموارد البحرية التي تحدد بدورها استقرار استثماراتهم على اليابسة.
وهكذا، أصبح هذا الاستثمار حجر الزاوية لهيكلة البناء الصناعي بمدينة الداخلة، والذي يساهم بأكثر من 40 في المائة في الدخل الإجمالي الداخلي للجهة ووفر على الخصوص مناصب شغل متعددة ومؤهلة في إطار أنشطة اقتصادية مستمرة بالـمـديـنـة بينما قبل ذلك كانت الأصناف المستغلة لا تسمح إلا بمناصـب مـوسـميـة تختفي إلى الشمال عند انتهاء موسم الصيد.
وقد بلغ هذا الخيار الاستراتيجي الأهداف المنشودة بالجهة بصفة ملموسة، حيث أكد ذلك صاحب الجلالة في خطابه بتاريخ 06 نونبر 2022 بمناسبة الذكرى السابعة والأربعين للمسيرة الخضراء، حيث قال نصره الله : «وعلى الصعيد الاقتصادي، الذي بعد المحرك الرئيسي للتنمية، تم إنجاز مجموعة من المشاريع، في مجال تثمين وتحويل منتوجات الصيد البحري، الذي يوفر آلاف مناصب الشغل لأبناء المنطقة».
وفي هذا السياق المطبوع بالنجاح في تفعيل المشروع الرائد لاستراتيجية أليوتيس وبدل تقييم موضوعي للتجربة المكتسبة لتحسين سياسة التهيئة، العمل على تمديد إجراء ربط نشاط السفن بمنطقة صيد محددة (zoning) كما هو الحال بالنسبة لسفن الصيد المستعملة لمياه البحر المبردة لتخزين الأسماك، استكشاف وسائل تحسين تتبع مسار المصطادات والرفع الأقصى من الجودة، البحث عن الأسباب الحقيقية لتدهور مصايد أخرى، تعالت أصوات ظنت أنها مؤثرة بفعل ارتفاعها تذكر بحكاية لافونتين «الضفدعة التي أرادت أن تكون أضخم من الثور».
وبالفعل، فدرالية غرف الصيد البحري، وهي جمعية خاضعة للظهير رقم 376-58-1 الذي يقنن حق تأسيس الجمعيات والتي لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تحل محل غرف الصيد البحري بصفتها مؤسسات عمومية محدثة طبقا لأحكام الدستور تكون قد خرقت القواعد المحددة لمجال عملها وكذا المنبثقة من قانونها الأساسي.
وللتذكير، فإن الهيكلة القانونية لغرف الصيد البحري المحدثة في 1997 لم تتغير منذ هذا التاريخ مما يجعلها غير قادرة على مواكبة تطور الحكامة في القطاع ومسايرة استراتيجية التأطير مما مكن من استمرار تهميش القوى الاقتصادية بارتكازهـا عـلـى المعيار الأوحد لملكية مركب الصيد أو الحصة على الشيع بغض النظر عن حجم المركب علما أن لفظ مركب الصيد يشمل جميع أنواع الوحدات من القارب إلى سفينة الصيد الصناعي.
ويجب الاعتقاد، في هذا المجال، أن غرف الصيد البحري ستعرف الطفرة النوعية الناتجة عن ترتيب أولوية الاقتصاد على السياسة التي يعرفها مغرب جلالة الملك محمد السادس.
بدون شك، فإن سلوكيات فدرالية غرف الصيد البحري بحلولها محل سلطة الدولة مستفيدة مـن قـربها مـن السلطة الحكومية الوصية مع عدم الإلمام بالنصوص والأدوار خلقت لدى هذه المؤسسة مزاعم كان من المفترض أن تثير انتباه السلطة الوصية نظرا لكونها تسير في التيار المضاد للشرعية وللحكامة التي تحدد لزوما وبشكل واضح الأدوار وتتوخي الأداء المتميز.
انتحال دور وحجج مغلوطة
وعليه، وتوخيا للشفافية والشغف للفهم في مواجهة الاختلالات غير المسبوقة، ترى الكونفدرالية المغربية لأرباب مراكب ومعامل السمك السطحي، بصفتها عضوا في لجنة تتبع الأسماك السطحية الصغيرة المنشأة طبقا لاحكام المادة 11 من المرسوم رقم 2-11-22 المتعلق بمخططات تهيئة وتدبير المصايد والذي ينص أيضا على استشارة غرف الصيد البحري وليس فيدراليتها، ترى أنه أصبح صحيا عرض عـدد مـن الأسـئلـة بـعـد تـأجـيـل إدارة الصيد البحري لاجتماع اللجنة نظرا لعدم تسليم المعطيات العلمية وما تلاه من مبادرات:
- هل فيديرالية غرف الصيد البحري مؤهلة لقلب الأدوار في ظل رسالة موجهة للكاتبة العامة لادارة الصيد البحري بتاريخ 10 ماي 2024 وإعطائها تعليمات بعقد لجنة تتبع المصايد بمكاتب المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري بتاريخ 13 ماي 2024؟
- هل يمكن بكل شفافية برمجة اجتماع على مستوى قطاعي دون دعوة الفاعلين الرئيسيين؟
- طبقا لقانونها الأساسي الفيدرالية تقوم بالتنسيق بين مختلف غرف الصيد البحري، وبالتالي يفترض فيها العمل على لم الشمل وتقريب وجهات النظر بين أصناف مهنية متنافسة تضمها الغرف، وفي فترة حرجة تمر منها الموارد السمكية، هل يجب عليها تأجيج الخلافات بين الأصناف المهنية المتنافسة عوض لم الشمل وتقريب وجهات النظر؟
توقيت ودوافع حملة التنقيص والتبخيس المفاجئة من مخطط التهيئة الذي حظي بالرعاية السامية لصاحب الجلالة في إطار استراتيجية أليوتيس، والذي صادق عليه خبراء منظمة التغذية والزراعة (FAO) يطرح عدة تساؤلات؟
- لماذا لم تقم الفيديرالية ابدا بأي تقييم قد يشمل جميع الأصناف المهنية، لآثار أساليب وطرق الصيد وترحال المراكب على الموارد السمكية التي لم يتم ربطها بمصيدة معينة؟
- هل قامت الفيديرالية بقياس آثار ادعاءاتها على مستقبل اقتصاد جهة الداخلة وادي الذهب وعلى مخطط تهيئة الأسماك السطحية الصغيرة والذي يتضمن جانبا سياسيا ذا أهمية قصوى؟
إن الجواب على هذه التساؤلات يفرض نفسه حيث إذا كان كل هذا متعمدا فهي مصيبة وإن كان ناتجا عن لاوعي فهي مصيبة أعظم الفيدرالية ارتأت إذن أن تحل محل الإدارة ومحل غرف الصيد البحري نفسها.
اللقاء في المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري الذي تحول سريعا إلى صك اتهام اماط اللثام عن مناورة هي في الأخير عملية متعمدة الغرض منها إضافة الطابع العلمي لتحميل مسؤولية علل واختلالات القطاع الصنف مهني ولكن لسخرية القدر، اللاموضوعية التي شابت اللقاء ضربت مصداقيته وأفرغته من أي محتوى علمي.
وبالفعل، فالمعهد الوطني للبحث في الصيد البحري، وهو المقصود بعينه، يتلكأ منذ مدة في تسليم المعطيات للإدارة. وهذا العمل المهم الذي يدخل ضمن التزامات المعهد والمكلف بإنجازها إلزاميا طبقا للقانون قد تم حجبه بعدة تحركات لرحلات تقوم بها السفينة العلمية المغربية لدى عدة دول إفريقية وصلت لحد تبني عبارة «الدبلوماسية العلمية». فلا شك أن مثل هذا المعطى كان سيثير الإعجاب لو كانت القضية المدافع عنها عادلة ولو كانت الأدوات العلمية الوطنية وضعت تحت إشارة إخواننا في إفريقيا بعد أداء الواجبات اتجاه الصيادين المغاربة لأن «الصدقة في المقربين أولى».
من المؤسف أنه بدل أن يأخذ الخبير حق الأسبقية على المناضل طغت الذاتية على الدقة العلمية مهمشة بذلك الصالح العام الذي يجب أن يتحلى بـه كـل خـادم للدولة.
والخلاصة أن هذا الخلط غير المسبوق في إنجاز المهام والأدوار بين المؤسسات العمومية والمجتمع المدني، وهذه الفوضى في المهام بـيـن مـا هـو أساسي وما هو إضافي وكذا هذه الإرادة الفاقدة للشرعية للحلول محل الدولة وإرباك النظام الترتيبي للمؤسسات، كل هذا خلق ادعاءات مغرضة اتجاهنا كفاعلين في القطاع، والبعض يذهب إلى حد القول إن التدليل بالأرقام يتم إدماجه بطريقة تجعله يؤثر على صيرورة أخذ القرار لدوافع لا علاقة لها بواجب الموضوعية.
ومن هنا تطرح معضلتان: الأولى تتعلق بالأشخاص القائمين بهذه التجاوزات والثانية باللامبالاة المؤسساتية التي تصاحبها.
والنتائج لم يطل انتظارها: مشاكل المهنيين تتراكم وتتفاقم محدثة شرخا وتفكيكا هيكليا للقطاع. ولكن لا أحد ينخدع : كل هذه المناورات من طرف بعض الأشخاص تنم عن فشلهم الاقتصادي وعن انعدام الشرعية وعن غياب الرؤيا وبالخصوص محاولاتهم إلقاء المسؤولية على الآخرين.