ويصل الاقتراض بغير مناسبة أو من أجل مصاريف غير ملزمة إلى درجة يصبح معا إدمانا. وكان من نتائج ذلك وقوع عدد من الأفراد في مأزق تجاوز نصف الراتب في أداء الأقساط، غير أن هذه الظاهرة اختفت بسب تدخل هيئات المجتمع المدني، التي نصبت نفسها طرفا للدفاع عن « ضحايا القروض ».
وإذا كان ذلك قد ساهم في سن قوانين تفرض عدم تجاوز ثلث الراتب، فإنه لم يدفع الكثيرين إلى الاقتراض بشكل يمكن وصفه بالعشوائي من أجل مصاريف غير ملزمة، خصوصا مع تنامي شركات قروض الاستهلاك والضغوط التي تمارسها مع اقتراب كثير من المناسبات على غرار الأعياد ورأس السنة والعطلة السنوية.
ويرى الباحث الاجتماعي والأستاذ الجامعي إدريس الغزواني، أن « تعبير « غير ملزمة » نسبي، إذ يدركه كل شخص بشكل مختلف عن الآخر ».
وأضاف في حديثه لـle360 « في الحقيقة هناك عدة عوامل تدفع إلى الإقبال على الاقتراض منها ما يرتبط بكون أن المجتمع المغربي يحمل تقاليد قوية فيما يتعلق بالاحتفال بالمناسبات الدينية والعائلية مثل عيد الأضحى، ما يخلق ضغطا على الأفراد للالتزام بهذه التقاليد حتى لو كان ذلك يتطلب اقتراض المال.
ومنها ما يرتبط بالثقافة الاستهلاكية، حيث أن هناك تزايد في التأثيرات الثقافية والإعلامية التي تشجع على الاستهلاك والمظاهر الاجتماعية، ما يدفع الأفراد للاقتراض للحفاظ على مستوى معين من الرفاهية أو لتحقيق رغبات شخصية كالسفر إلى الخارج.
إضافة إلى ذلك، نجد العديد من المغاربة الذين لا يتمكنون من تغطية تكاليف المناسبات الخاصة أو السفر اعتمادا على دخلهم الشهري وحده بسبب تدني الأجور وارتفاع تكاليف المعيشة، مما يجعل الاقتراض خيارا ضروريا لتلبية هذه الاحتياجات. »
وردا على تساؤل le360 حول العوامل التي تتحكم في المقترضين بهذا الخصوص قال « عطفا على ما سلف يمكن القول إن سلوك الاقتراض لدى المغاربة يتأثر بمجموعة من العوامل، كما سبق الذكر وتشمل الضغوط الاجتماعية، والوضع الاقتصادي، والعوامل النفسية، والتسهيلات المؤسسية، ومستوى الوعي المالي، والسياسات التنظيمية والمخيال الثقافي العام.
فإضافة إلى العوامل السابقة، نجد انعدام التخطيط المالي طويل الأمد لدى الأسر المغربية وتوفير البنوك والمؤسسات المالية تسهيلات كبيرة للحصول على القروض وبأسعار فائدة تنافسية، ما يشجع الأفراد على الاقتراض ».
وحين سألناه هل يلعب حب المظاهر والتباهي دوره في هذا الباب؟ أجاب « نعم، حب المظاهر والتباهي يلعب دوراً كبيرا، حيث التباهي بالممتلكات والمظاهر يمكن أن يكون وسيلة لإظهار النجاح والمكانة الاجتماعية.
هذا التنافس يدفع الأفراد إلى إنفاق أموال كبيرة على السفر، والاحتفالات، والمظاهر الفاخرة لتحقيق هذا الهدف.
من جهة أخرى، تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دورا كبيرا في تعزيز ثقافة المظاهر. حيث يعرض الأفراد صورا وفيديوهات للحظات حياتهم الفاخرة، مما يزيد من الضغوط على الآخرين لمحاكاة نفس الأسلوب والإنفاق، حتى لو كان ذلك يعني الاقتراض ».
وبخصوص الدور السلبي الذي يمكن أن تلعبه الأسرة أو المجتمع في هذا الباب قال: « ليس فقط الأسرة، بل الأصدقاء أيضا يمكن أن يدفعوا الأفراد إلى اتخاذ قرارات مالية غير محسوبة.
فكلما كانت دائرة العلاقات الاجتماعية تتبنى نمط حياة معين يتطلب الإنفاق الكبير، يشعر الفرد بأنه مجبر على مواكبة هذا النمط، مما قد يؤدي إلى الاقتراض ».
وختم الباحث الاجتماعي حديثه بالإشارة إلى أن « الإشهار يساهم بشكل كبير في هذا الأمر، وذلك من خلال تعزيز الرغبة في الاستهلاك، وخلق احتياجات جديدة، والتأثير السيكولوجي على الأفراد لجذب الانتباه.
إن الإشهار يمكن أن يكون إيجابيا إذا كان يسهل الوعي المالي، واتخاذ قرارات مستنيرة، ولكنه قد يكون سلبيا إذا أدى إلى اتخاذ قرارات مالية غير محسوبة، وزيادة الاعتماد على الديون ».