"ريع المعلومة".. حينما تتحالف "تصاميم التهيئة" مع أباطرة العقار !

DR

في 05/04/2017 على الساعة 10:38

قبل أيام، اجتمع المجلس الإداري للوكالة الحضرية للدار البيضاء، تحت رئاسة فعلية من الوزير المنتدب في الداخلية الشرقي الضريس، كان الغرض من الاجتماع عرض أنشطة الوكالة، ومناقشة الميزانية.. اجتماع روتيني يحدد يحدد المستقبل العمراني للمدينة، وتتداول معلومات قيمة... بعضهم يتوكأ عليها، ولهم فيها مآرب أخرى!

يهدف تصميم التهيئة، حسب مقتضيات المادة 19 من القانون رقم 12.90 المتعلق بالتعمير، إلى تحديد جميع المواقع المخصصة للتجهيزات الجماعية والمنشآت ذات المصلحة العامة التي يتولى إنجازها القطاع الخاص كالمراكز التجارية و المراكز الترفيهية، ناهيك عن الأحياء والمآثر والمواقع التاريخية أو الأثرية والمواقع والمناطق الطبيعية كالمناطق الخضراء العامة أو الخاصة الواجب حمايتها أو إبراز قيمتها لأغراض جمالية أو تاريخية أو ثقافية وكذلك القواعد المطبقة عليها.

المفروض أن دور الوكالة الحضرية يقضي وضع تصميم للتهيئة كل 10 سنوات حسب قانون التعمير، بناء على تقارير خبراء من تخصصات مختلفة، تتجاوز ما هو عمراني لتصل إلى خبراء في علم الاجتماع بل وحتى علم النفس والتاريخ، فللعمران ذاكرة قد تمتد لقرون، ما يجعل استحضار الجانب التاريخي أمرا ضروريا.

الدار البيضاء.. الاستثناء العمراني

في الدار البيضاء، والتي بالمناسبة تتميز بوضع خاص، إذ تظل وكالتها الحضرية تابعة لوزارة الداخلية، بدل وزارة التعمير والإسكان، لغاية لا تغيب عن خلد كبار العقار. فالمدينة تعرف طلبا متزايدا لرخص التعمير، ناهيك عن الرغبة الملحة في توسيع المدينة، حيث يشرح أحد قادة المعارضة السابقين في فترة العمدة السابق محمد ساجد لـLe360 " مثلا يتم تقرير توسيع المدينة، 5 كيلومتر شمالا، وإضافة 2000 بقعة أرضية مع مرافقها من مدارس ومستوصفات وحدائق، غير أن ما وقع في مدينة الدار البيضاء خلال العقد الأخير، هو استفادة فئة بعينها من "ريع للمعلومة"، عبر معرفتهم المسبقة بالمستقبل العمراني للمدينة، فيسارعون لاقتناء الأراضي القروية المتاخمة للمجال الحضري، والتي سيشملها تصميم التهيئة المقبل".

ويضيف مصدر Le360 بالقول "لا تستغربوا حينما ترون أن أغلب من يدخل مجال السياسة، يكون إما منعشا عقاريا أو على علاقة بمنعشين عقاريين".

تسريب لتصميم التهيئة أعطى للمضاربين العقاريين الفرصة للسطو على الأراضي التي ستدخل المدار الحضري

يتحكم في "المعلومة العمرانية" التي تساوي الملايين، تركيبة رباعية تتشكل أساسا من مجلس المدينة ورئاسة جهة الدار البيضاء سطات، وولاية الجهة، ثم الوكالة ال ليتم التصويت بموافقة العمدة ومجلس الجهة والوكالة الحضرية والولاية، مع تسجيل أن للمدينة والجهة القوة لفرض تصميم التهيئة الذي تراه مناسبا !

ظلت مدينة الدار البيضاء، ولمدة عشرين سنة بدون تصميم التهيئة، ما فتح المجال لرخص التعمير الاستثنائية، وهنا يتحدث عضو المعارضة السابق عن السبب الذي جعل أكبر مدينة بالمغرب تعمل دون تصميم للتهيئة، ليضيف " يحدث أن تصميم التهيئة القديم، يقول إن الأرض الفلانية ستنجز عليها مشاريع للسكن الاقتصادي، فيأتي منعش عقاري بمشروع موجه لمتوسطي الدخل، ليقوم بعدها بطلب استثناء، متذرعا بغياب تصميم للتهيئة.. هذا الأمر لا يمكن إلا تسميته تواطؤا، علما أن المنعش العقاري، وبحصوله على الرخصة الاستثنائية، يكون قد ضمن أضعاف الأرباح التي من المفروض أن يحصل عليها، وهذا هو "التبزنيس" بعينه".

شيطان التفاصيل

وحول دواعي تأخر تصاميم التهيئة، يوضح المصدر أن "هذا التأخير هو مربط الفرس، وبه تحول منعشون عقاريون إلى مليارديرات، لا لشيء سوى لأنهم يمتلكون المعلومة قبل الجميع، وأبرز مثال على ذلك هو ما حدث وما يحدث حاليا بنواحي مدينة الدار البيضاءـ حينما يتوجه السماسرة لصاحب أرض فلاحية، لا يعلم صاحبها أنها ستدخل للمجال الحضري، فيلتقي هؤلاء بصاحب الأرض أو في الغالب بأبنائه الورثة، الذين، وأمام حاجتهم للمال، يقبلون بأول عرض مالي يقدم لهم، فيبيعون ملكهم بعشر قيمته" الانكي من ذلك يضيف المصدر، أن عملية البيع تتم باسم شركات لا يظهر أصحابها في الواجهة، وفي الواقع، ليسوا سوى أباطرة العقار، الذين لا تخفى أسماؤهم على أحد.

أصوات مناهضة

وما دام الأمر يتعلق بـ"ريع للمعلومة"، فيحدث أن تتسرب معطيات خاصة بتصميم التهيئة قيد الإنجاز، وهو ما نبهت له في وقت سابق الشبكة المغربية لحماية المال العام في رسالة إلى رئيس الحكومة السابق عبد الاله بنكيران، بعد رصد تسريب لبعض المعلومات الخاصة بمشاريع التصاميم بمدينتي الدار البيضاء وتمارة.

حينها، طالب رئيس الشبكة محمد المسكاوي من بنكيران بفتح تحقيق حول ظروف وملابسات تسريب المعطيات الخاصة بمشاريع تصاميم التهيئة.

أمام هذا الريع المعلوماتي، تجتهد شبكات حماية المال العام، التي تضع هذا الريع في مصاف إفشاء للسر المهني بمعناه الحقيقي، الذي يعطي الفرصة للمضاربين العقاريين للسطو على الأراضي التي ستدخل المدار الحضري، من خلال اقتنائها بأسعار رمزية، مقابل بيعها بأثمنة باهظة بعد نشر تصاميم التهيئة بشكل رسمي، أو من خلال تغيير التنطيق وتغيير تخصيص الأراضي وإلغاء المرافق العمومية.

كما تنبه شبكات حماية المال العام إلى أن العديد من المدن المغربية، خاصة الكبرى منها، تقوم بإعداد وثائق تصاميم التهيئة بعد نفاد سريان الوثائق الحالية، معتبرة أن "هذه التصاميم تعد فرصة لإعادة التخطيط العمراني لمستقبل المدن، بما تتطلبه التنمية الشاملة والمندمجة".

جيش السماسرة

يتوفر المستفيدون من ريع المعلومة على "جيش سماسرة" من ذوي العلاقات النافذة، مقصدهم بالأساس هم الفلاحين الصغار، مثل ما حدث مع أحد الملاكين الصغير بدار بوعزة، الذي كان على بينة بصدور تصميم التهيئة، قبل أن يأتيه نفر من السماسرة، فعرضوا عليه اقتناء أرضه بـ300 درهم للمتر المربع فقط، عوض 2000 درهم ثمنها الحقيقي، ذريعتهم في ذلك أنهم يتوفرون على معلومات تفيد بكون أرضه ستتحمل إلى منطقة خضراء في التصميم الجديد، فقبل الفلاح بالعرض صاغرا، أما من رفض العرض، فكان مصيره أن تحولت أرضه فعلا إلى منطقة خضراء، فهؤلاء المضاربون، لا يستفيدون فقط من المعلومة بل يخلقونها، على حد تعبير عضو سابق بمجلس المدينة بالدار البيضاء. وهو ما يفسر الشذوذ العمراني الذي يطبع مداخل مدينة الدار البيضاء، لأن السياسيون من يقوم بتصميم التهيئة وليس التقنيين !

المصدر نفسه تحدث عن مثال صارخ، كان حديث البيضاويين، خصوصا سكان حي مولاي رشيد، الذي كانت حدوده واضحة، إلا أنه في التقسيم الإداري تمت إضافة دواوير، وحين تم التأشير على هذه الإضافة وقعت الكارثة، حيث كانت تقتضي المسطرة القانونية نقل الملكية من الجماعة القروية إلى مجلس المدينة، فوجد القائمون على الملف أن الأرض لا تتوفر على ملكية، لأن واجب المحافظة لم يؤدى، ليقوموا بمسطرة استمرار الملكية لبقعة تبلغ مساحتها 30 هكتارا عبر استداء 12 شاهدا، وهو الأمر نفسه الذي حدث بالأرض المجاورة لمقبرة الشهداء وسط الدار البيضاء.

وذهب المصدر إلى أبعد من ذلك، حين تحدث عن الطرقات الفرعية في مدخل مدينة الدار البيضاء، والتي من المفروض أنها أنشأت من أجل اختصار الوقت عبر مداخل فرعية دون الحاجة إلى الدخول وسط المدينة.. ولأن الشيطان يختبئ في التفاصيل، فبحث صغير عبر Google Earth يوضح أن مجمل الأراضي المحاذية لتلك الطرقات، والتي كانت تسمى بأراضي الحذيويين، هي الآن في ملك شخصيات نافذة، بعضها تقلد مناصب حكومية رفيعة، وبعضها الآخر كان منتخبا لتسيير المدينة نفسها.

الكاريانات.. مغارة علي بابا

ريع المعلومة سرطان يمتد لتصيب عدواه الأحياء الصفيحية، فما يجهله البعض، أن أغلب "الكاريانات" بالدار البيضاء تابعة للخواص، فإما أن صاحب الأرض غادر المغرب منذ الستينات، وإما توفي تاركا وراءه الأرض وما عليها. أمام هذا الوضع يستعصى على الابناء الورثة الاحتجاج أمام سلطة ممثلي الداخلية. في مثل هذه الحالة يأتي المستفيدون من ريع المعلومة لينشروا وسطاءهم ليعرضوا على الورثة اقتناء الأرض منهم بثمن بخس، علما أن أصحاب الأرض يئسوا من أمل استرجاع ملكهم، فيجدوا أنفسهم مجبرين على قبول عرض "السمسار" الذي لا يتجاوز 50 درهما للمتر المربع في أحسن الأحوال، من منطق "أقل الخسائر"، فتقوم الشركة بما تبقى وتقتني الأرض... بعدها بأسابيع يعقد اجتماع في الولاية، وباسم "محاربة السكن غير اللائق"، تفوت الأرض للمنتفعين بها، ويقذف بسكان الكاريان نحو بقع أرضية في الهوامش، بتمويل من الدولة. في هذا الحين، يكون الإسمنت المسلح قد طغى على أرض الكاريان، بمشاريع عقارية. وهذا هو حال 90% من الأحياء الصفيحية بالدار البيضاء.

واد بوسكورة.. اللغز !

وتظل قضية واد بوسكورة، من أخطر الملفات التي شهدت تضاربا في المصالح. فقبل 6 سنوات، وأثناء فيضانات 2011 التي شهدتها المدينة، صدر قرار بتغيير مجرى الواد، فحدد مساره الجديد، لتتم نزع الملكية في ضفتي الواد.

المشروع، الذي هو عبارة عن قناة كبرى للصرف، تندرج في إطار مخطط تنمية جهة الدار البيضاء الكبرى (2015 – 2020)، والذي جعل من أولوياته تحسين إطار عيش الساكنة وحماية المجال البيئي للعاصمة الاقتصادية للمملكة.

وقتها، قال المدير العام لشركة الدار البيضاء للتهيئة إدريس مولاي رشيد في تصريح لـLe360 "إن إحداث هذا المجمع يهدف للحد من الخسائر التي تتسبب فيها الفيضانات الموسمية لوادي بوسكورة، والتخفيف من حجم المخاطر الناتجة عن هذا النوع من الكوارث الطبيعية التي عادة ما تتهدد المدن ذات الكثافة السكانية المرتفعة".

بلغت كلفة المشروع الإجمالية 855 مليون درهم وأشرفت عليه شركة الدار البيضاء للتهيئة، وساهم في تمويله، إضافة إلى الجماعة الحضرية للدار البيضاء، صاحبة المشروع الميزانية العامة للدولة، والمديرية العامة للجماعات بوزارة الداخلية، ووزارة الطاقة والمعادن والماء والبيئة، وصندوق مكافحة مخلفات الكوارث الطبيعية، ومجموعة المكتب الشريف للفوسفاط، ووكالة تنمية وتعمير آنفا، ووكالة الحوض المائي.

أما الجزء الخفي من جبل الجليد في مشروع واد بوسكورة، فهو المتعلق بتهيئة ضفتي الواد، إذ صادق مجلس المدينة في آخر سنة له ومعه جماعة بوسكورة، على تصميم التهيئة، فام نزع الملكية من أصحابها، وبعضهم نال ثمنا بخسا مقابل التخلي عن أرضه، لتخرج اللجنة المشرفة عن المشروع وتصرح أنها "أخطأت التقدير وأن المساحة التي ستشغلها على ضفاف الواد اقل من التي نزعت من أصحابها، فأعيدت الأرض، لكن لمن؟ لملاكها الجدد الطين اقتنوا الأرض بثمن بخس !

ما حدث بعدها، غيض من فيض، اتهم عامل سابق ومنتخب كبير بالعاصمة الاقتصادية بمراكمة أزيد من 170 مليار سنتيم من خلال الاتجار برخص "الاستثناءات" " التي كانت تمنح في غياب تصاميم التهيئة.، عبر تفويت هكتارات من الأراض الفلاحية بمناطق بوسكورة والنواصر بضواحي العاصمة الاقتصادية إلى مناطق معدة للبناء. لتقف الأمور هنا: فمن يستفيد من ريع المعلومة لا يردعه قانون، لأنه هو من حور بنوده !

في 05/04/2017 على الساعة 10:38