ويأتي هذا اللقاء على شكل قراءة في كتاب « توات: مساهمة في دراسة مجتمعات الواحات وتاريخها » الصادر ضمن منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط. ويكتسي الكتاب أهمية بالغة لكونه يتطرّق إلى موضوع نادراً ما نعثر على دراسات حوله من لدن المؤرّخين، إذْ يعتبرونه يدخل من في مجال الجغرافيين. في حين عملت بعض الدراسات التاريخية على تصويب الرؤية من خلال دراسة المجتمع الواحي والكشف عن تركيبته الاجتماعية وأنظمته السياسية وجماليات معماره. وتتّخذ العلاقة بين المؤرّخ والواحات طابعاً وجودياً، بحكم أن المؤرّخ يتوفّر على إمكانات معرفية تقوده إلى الكشف عن عوالم الواحات وتاريخها خلال مراحل من تحديث المجتمعات.
وارتكزت الدراسة على موضوعات تتعلّق بمجال الواحات والأودية والمسالك ومعاش الواحات ونخليها وزرعها وقصورها. كما توقّف الباحث محمّد أعفيف عند توات باعتبارها مجتمع القبائل وعلاقتها بالمخزن ثم رصد تحولاتها خلال فترة الاحتلال.
يقول الباحث في توطئة الكتاب «لم أختر دراسة واحات توات عن نية مبيته أو خدمة أهداف سياسية معينة. فأثناء مناقشة موضوع البحث مع الأستاذ المشرف المرحوم جرمان عياش، كان اقتراحه البحث في منطقة الجنوب الشرقي التي تعرضت للتدخل الفرنسي في أواخر القرن التاسع عشر، وعواقب ذلك التدخل على الوضع الداخلي للمغرب قبل الاحتلال. وخلال تجميع المصادر من مظان مختلفة، اكتشفت أن توات شكلت حجر الزاوية في التوسع الفرنسي وموضوعا شغل الدبلوماسية المغربية في العقدين الأخيرين من القرن التاسع عشر، بل كانت من بين أسباب تنحية السلطان مولاي عبد العزير بحجة تفريطه في أرض الإسلام».
يُضيف « عرفت توات أوجها الاقتصادي في القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين حيث قام هذا الازدهار على أساس تجارة القوافل وتطور نظام الري القائم على الفـﭽـارات (الخطارات). ففي هذه الفترة أرسل السلطان السعدي أحمد المنصور الذهبي حملته الشهيرة إلى السوادان وقبلها كان سيّر حملة إلى توات أعادت إرساء سلطة المخزن المغربي بها بعد أن تدهورت منذ أن دب الضعف إلى الدولة المرينية ».
جدير بالذكر أنّ محمّد أعفيف، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة محمد الخامس بالرباط، حاصل على دكتوراه الدولة في التاريخ من نفس الجماعة وعلى ماجستير في فلسفة الأنثروبولوجيا من جامعة نيويورك. مختصّ في دراسات الشرق الأقصى والمغرب والدراسات المقارنة. له اهتمام خاصّ بالتحديث في اليابان والعالم العربي.