ليست المرة الأولى التي يتصدّى بن الوليد إلى سيرة مفكّر في حجم إدوارد سعيد فقد سبق له تأليف كتاب عنه إلى جانب عبد الله العروي ومحمّد عابد الجابري. وفي كلّ مرّة يُدهشنا صاحب « التراث.. الفكر والقيمة » بقدرة على التحليل الأعمال الفكرية وتوليف سياقاتها التاريخية وجعلها تتماشى مع طبيعة مؤلّفه ومناهجه. إنّ التأليف عن سعيد ليس سهلاً ذلك إنّ كتاباته صعبة وتتميّز بعمق مذهل لا نعثر عليه مغربياً إلاّ لدى عبد الكبير الخطيبي. ورغم كونية المفاهيم التي اشغل بها المفكّر إدوار سعيد، إلاّ أنّه لم يحظى بدراسات فكرية هامّة تُعيد قراءة مضّانه الفكرية على ضوء تحولات سياسية وثقافية عرفها العالم العربي. لقد ترك سعيد بكتابه « الاستشراق » أثراً عميقاً في ذاكرة الفكر العربي، ذلك إنّه كتابه لا يُجابهه فكرياً إلاّ « الايديولوجيا العربية المعاصرة » لعبد الله العروي مع اختلاف كبير من ناحية المفاهيم والمنطلقات المعرفية التي تُظلّل برحابتها منطلقات الكتاب وعوالمه الفكرية.
في هذا الكتاب يعود بن الوليد إلى إدوارد سعيد ولكن في ثقافات أخرى متصادمة متخذاً من فرنسا وإسرائيل وإيران والعالم نماذج تحليلية من أجل التأمّل والتفكير. فإذا كان ن أهمية لهطا الكتاب فيتمثّل في المنظار الذي به ينظر بم الوليد إلى مفاهيم إدوار سعيد وعمله في كلّ مرّة على الإتيان بجديد يُعوّل عليه فكرياً. لا يجعل يحيى من مؤلفاته النقدية على شكل مقالات مفتوحة، بقدر ما يضع لها فهارس غنية بها يتبع منهجياً سيرة المفكّر في علاقته ببعض المفاهيم ويُطعّمه دوماً بإضاءات خارجية ذات سياحات طويلة في تاريخ الفكر البشري.