يرجع العديد من النقاد والباحثين أسباب عدم اعتراف كُتّاب السيناريو والمخرجين السينمائيين بالأعمال الأدبيّة إلى هشاشة الوضع الثقافي للنسيج السينمائي وعدم قُدرة البعض على التفاعل مع النصوص الأدبيّة رغم أصالتها الجمالية. عجزٌ ثقافي لا يُضمر إلاّ واقع السينما وكيف غدت عبارة عن صُوَرٍ مُكرّرة هاجسها الترفيه والاستهلاك. لم يأخذ الأدب المغربي حقّه من السينما، لأنّ الرهان اليوم في الواقع لم يعُد على الأدب، مقارنة بسبعينيات القرن العشرين، بعدما ظلّ المجتمع المغربي مُلتحماً بقضايا الثقافة. ولم يكُن هذا الاهتمام بالأدب عبارة عن بذخ ثقافي بالنسبة للمجتمع والمثقف على حد سواء، بل كضرورة مُلحّة بالنسبة للمجتمع ككل.
ففي السبعينيات حين كان يصدر ديوان شعري أو رواية أو يتم عرض مسرحية كانت شريحة كبيرة من المجتمع تتفاعل بكلّ الطرق لتحقيق نقاش ثقافي فعّال. لكن مع نهاية التسعينيات بدأت الساحة الثقافية تفقد بريقها لصالح أمور أخرى خارجة عن الثقافة نفسها. غير أنّ هذه الهشاشة الثقافيّة لم تبقى حكراً على المجتمع، وإنّما امتدّت للوسط الفني نفسه.
حين نُفكّر في علاقة الأدب بالسينما، فإنّ أوّل شيءٍ يتبادر إلى الذهن هو الروايات المغربية التي حقّقت شهرة سينمائية، وأصبحت تكتسب خصوصيتها الجمالية، لا باعتبارها نصوصاً أدبيّة، ولكنْ بوصفها عبارة عن صُوَرٍ متخيّلة. فالرواية في أساسها نصّ أدبي تخييلي له عناصره الفنية ومحدداته الجماليّة، لكنّها مع ذلك تشتبه في العديد من الخصائص مع السينما، سيما على مستوى الكتابة. غير أنّ وسيلة التعبير هي التي تختلف بين النصّ والصورة. مع العلم أنّ السينما لها حظوة كبيرة في الانتشار والذيوع، بالمقارنة مع الرواية التي مهما بلغت أهمية بعض النصوص، فإنّها تبقى ذات تأثير محدود في القارئ.
والسبب لا تتحكّم فيه عوامل جماليّة، بل أمور أخرى تتجاوز قُدرات الروائي والقاص والشاعر وكلّ من يتعاملوا مع الخطاب الشفهي أو المكتوب. وتتعدّد هذه القواسم المشتركة بين الأدب والسينما على مستوى الزمن والحكي والسرد والشخصيات واللغة، إذْ كلّما تقاربت هذه العناصر المشتركة بين الأدب والسينما. إلاّ وكان العمل السينمائي مكثفاً وغنياً ومُؤثّراً في المُشاهد. كما تكون عملية التحويل سلسة للغاية بالنسبة للسيناريست في تحويل المشاهد الأدبيّة إلى أخرى سينمائية.
يُعتبر « الخبز الحافي » أشهر نصّ أدبي في تاريخ الرواية المغربيّة. فقد تم نقلها إلى فيلم سينمائي يحمل نفس العنوان. قام بإخراج الفيلم المخرج الجزائري رشيد بن حاج. لم يحظى الفيلم بأهمية بالغة، لأنّ الرواية كانت تسبقه بخطوات كبيرة على مستوى النجاح والشهرة. ورغم أنّ الفيلم حاول قدر الإمكان خلق شهرة، لكنّه لم ينجح في ذلك. تم إخراج الفيلم عام 2004 بعد سنة واحدة من وفاة الروائي محمد شكري. في وقتٍ كانت فيه الرواية واضحة المعالم والرؤى في مخيّلة القارئ بالعالم العربي ككل.
ومن أشهر الروايات التي حقّقت شهرة واسعة داخل المثقفين المغاربة، نجد رواية « بامو » للكتاب أحمد زياد، والتي اشتغل عليها المخرج إدريس المريني عام 1983 في فيلم سينمائي كبير، بينما لعب دور بطولته ثريا جبران ومحمد حسن الجندي والعربي الدغمي وبديعة ريان وغيرهم. هذا بالإضافة إلى رواية « نجوم سيدي مومن » والتي حوّلها المخرج والمنتج نبيل عيوش إلى عالم السينما بفيلم يحمل عنوان « يا خيل الله » عام 2012. وفي عام 2022 سيُعيد المخرج إدريس المريني نفس التجربة بالاستناد على رواية أخرى للكاتب عبد الرحيم بهير بعنوان « جبل موسى ».
يُعتبر فيلم « بامو » أشهر فيلم حقّق تناغماً جمالياً بين الرواية والسينما. بل إنّ الحديث عن جوهر هذه العلاقة يُحيل عدد من الكتاب والنقاد في المغرب إلى الحديث عن هذا الفيلم ودور الطلائعي في تغذية ذائقة المخرجين ودعوتهم إلى الانفتاح على النصوص الأدبيّة المغربية على اختلاف أنواعها وأجناسها.