أشرف الحساني يكتب: «قُبلة» هند بنجبارة

في 17/09/2024 على الساعة 08:30, تحديث بتاريخ 17/09/2024 على الساعة 08:30

في كلّ مرّة يتسرّب فيها مَشهدٌ سينمائي « ساخن » من داخل صالاتٍ سينمائية تعرض أفلاماً مغربية، إلاّ ويتكاثر الجدل الفارغ بين الناس، مُعتقدين أنّ ما سمعوه أو شاهدوه من خلال صُوَر وفيديوهات عبارة عن حقيقةٍ ينبغي محاربتها بالنقد والسبّ، معتبرين أنّ ما شهدوه ليس عملاً فنياً وإنّما يدخل ضمن التحريض على الفتنة والانفتاح اللامحدود.

إنّ العودة إلى جدل « قُبلة » الممثلة المميّزة هند بنجبارة داخل فيلم « على الهامش » للمخرجة السينمائية جيهان بحّار، يدفع المرء إلى التفكير في نوع السينما التي يُريد المجتمع وتبتغيها المؤسسات الفنّية. إنّ الجدل فارغٌ في أساس، لأنّه غير مبنيّ على علم ومعرفة بالشأن السينمائي، لكنّه يُضمر في طيّاته الطريقة التي بها ينظر المغاربة تجاه الفنّ السابع والمآسي التي تظلّ تُلاحق السينما في المغرب، رغم مجهودات كتّاب السيناريو والممثلين والمخرجين. إنّنا أمام محنةٍ مزدوجة، الأولى ترتبط بضرورة الدفع بالصناعة السينمائية إلى الأمام واختراق كافّة الحدود والسياجات التي تجعل السينما المغربية تقليدية ويشوبها نوع من التقليد الذي يُحوّلها إلى عبارة عن أداة للموعظة الأخلاقية.

فالرهان على تقديم الأفضل للسينما المحلية والنهوض بحداثتها على مستوى الكتابة والتخييل، يفرض على السيناريست خرق مثلث « الرعب » (الدين، السياسة، الجنس) وتدبيج حكاية ذات خصوصية سرديّة تتعامل مع الوقائع والأحداث بمنطلق تخييلي ينفي المحاكاة. تدويل الفيلم المغربي، يفرض علينا اليوم الخروج من كافّة الهويات المُغلقة والمفاهيم السينمائية التقليدية والبحث عن سينما مغايرة تحفر مجراها عميقاً فيما يعيشه البلد من تحوّلات سياسية واجتماعية. أما العامل الثاني، فيتمثّل في ضرورة القضاء على المد الأصولي المفبرك والمؤسّس في عمقه على مواقف الإسلام السياسي الذي يحاول مع ميلاد كل فيلمٍ سينمائي جريء أنْ يستغلّ جدله ويُحوّله لصالحه.

بيد أنّ هذه الأصولية، لا نعثر عليها داخل المجتمع فقط، بل حتّى داخل العائلة الفنية. إذْ يُحاول العديد من المخرجين والمخرجات تبرير جهلهم وضعف إمكاناتهم التعبيرية بأنّ هذا المَشهد لا يليق بنا كمغاربة. هنا يتحوّل المخرج من كونه فنّاناً إلى داعية ورجل دين لا أكثر وذلك لكون وظيفة الفنّان تتمثّل بدرجةٍ أولى في التعبير عن جسده، دون وضع أيّ حدود تُعيق إمكانات التعبير. إنّ « قبلة » هند بنجبارة عملٌ فني وليس دعاية جنسية للتحريض على الفتنة كما قيل.

وبالتالي، فإنّ الجدل الذي يُرافق الآن مَشهد القبلة، رغم ما يبدو عليه من هشاشةٍ وارتباك، فإنّه يُضمر سجالاً كبيراً أكبر من المجتمع نفسه. إذْ كيف يجوز لبلدٍ ناضل يساره من أجل تحرير مُخيّلة الناس ودعوتهم إلى الانخراط في الحداثة من سبعينيات القرن العشرين إلى أنْ يُصبح فيه مَشهد قبلةٍ داخل فيلمٍ سينمائي يخلق الجدل ويُحرّك الأهواء والمَشاعر.

بعيداً عن مأساة القبلة، خلقت بنجبارة مسيرة فنّية معتبرة داخل عددٍ من الأفلام والمسرحيات. ذلك إنّها غدت من الوجوه الفنّية الجديدة التي تخلق نقاشاً بأعمالها بسبب قدرتها على تقديم أداء واضح المعالم الرؤى. غير أنّ النقد الذي وُجّه لها بسبب المشهد داخل الفيلم لا يجعلها وحيدة في هذا المضمار. إذْ هناك دائماً أسماء فنّية تلقى نفس النقد وأكثر بكثير. وهو أمر ينمّ عن طبيعة المجتمع الذي نعيش فيه وكيف أنّه لم يخرج بعد من ترسّبات الماضي الذي يقف حاجزاً أمام أفكاره ومواقفه وتحرّره.

تحرير من طرف أشرف الحساني
في 17/09/2024 على الساعة 08:30, تحديث بتاريخ 17/09/2024 على الساعة 08:30