يُثير المشهد الفني الكثير من القلق على مستوى أداء الممثلين، إذْ رغم المكانة الكبيرة التي باتت تحتلّها السينما المغربيّة في العالم. إلاّ الساحة المسرحية ونظيرتها التلفزيونية، ماتزال مع الأسف تنتج لنا المزيد من الرداءة والتفاهة المُتأنّقة. ذلك إنّ الأفلام والمسلسلات والسيتكومات تبدو صادمة في مَشاهدها ومُكرّرة في مواضيعها وباهتة في كتابتها. بل إنّها لا تستطيع أنْ تُساير بصُوَرها تحوّلات الفن المغربي والمكانة التي أضحى عليها. تجارب هشّة تقود المرء إلى طرحٍ أسئلة قلقة حول الأسباب الخفيّة التي تجعل بعض الممثلين والممثلات يستمرون في الظهور داخل مسرحيات ومسلسلات تلفزيونية، رغم هزالة منتوجه الفنّي على مُستوى الأداء. من الذي يتحكّم في هذه الفوضى؟ من يُساهم في تأجيجها وإعادة إنتاجها بطريقة هستيرية؟ تستغلّ هذه الوجوه النهضة « الفنية » التي بات يعرفها التلفزيون وسلسلة النجاحات التي بات يُحقّقها على مُستوى المُشاهدة، خاصّة في شهر رمضان. تقود الجرأة بعض الوجوه إلى الانخراط في الشأن الإعلامي عن طريق حوارات يعطون فيها « مواقفهم » اللامعرفية وانطباعاتهم الذاتية حول بعض الأعمال التلفزيونية، في غياب تام للنقاد، ممّن يملكون آراء أصيلة تجاه القضايا والإشكالات والمفاهيم ذات الصلة بالفنّ.
تفاقم البلاهة باسم الفن، ساهم في اقتحام الكثير من المغنيين والمغنيات وعارضات الأزياء والمؤثّرون عرش الصورة التلفزيونية وأعمالها الفنية، بعدما أصبحوا يُمثّلون إلى جانب وجوه معروفة دون أنْ يُثير ذلك قلق أحد. يرى بعض المخرجين بأنّ هاذ الأمر راجعٌ إلى ما أضحت تُمارس وسائل التواصل الاجتماعي من فتنة تُربك مفهوم الفُرجة التلفزيونية، وتجعلها تبحث لها عن منافذ ضوءٍ بها تُعيد علاقتها مع المُتفرّج. ففي كلّ شهر رمضان، نجد أنفسها أمام وجوه ليس كالوجوه التي طالما عشقناها وأحببنا ظهورها ونحن صغار. كيف يستطيع الناقد تفسير هذه الظاهرة التي تبدو مُفيدة للتلفزيون والمخرج على حد سواء؟ لأنّها تُساهم في ذيوع العمل الفني عن طريق المؤثرين، بعدما أضحوا بمثابة الدعاة على السوشيال ميديا. كيف يستطيع المرء استيعاب هذه الفوضى الفنّية، أمام ظهور تجارب مجهولة لا نعرفها ولا تُقدّم أيّ جديدٍ؟
على هذا الأساس، تتجنّب أغلب هذه الوجوه ممارسة المسرح، لأنّه يُعرّيها ويكشف حقيقتها وفداحتها أدائياً. لهذا يرنون صوب مسلسلات تلفزيونية تُكرّس فرجة الصالونات القائمة على تصوير مَشاهد صغيرة يتم تقطيعها وتلصيقها. لذلك فإنّ الوجوه التي تبدو « كبيرة » في التلفزيون تتعرّى وتظهر بحقيقتها وسطحيتها على خشبة المسرح، والسبب أنّها طاقاتها الفنية محدودية ولا تتوفّر على موهبة حقيقية بها تستطيع أنْ تُبهر المُتفرّج وتُتيح له بأدائها مساحة للتفكير والتأمّل في الأجساد في علاقتها بفضاء الخشبة.