مع استئناف الحوار الاجتماعي يوم الثلاثاء المقبل (26 مارس 2024) عاد الحديث عن إصلاح أنظمة التقاعد ليطرح بقوة. وفي أفق ذلك كان رئيس الحكومة عزيز أخنوش، ترأس يوم الثلاثاء الماضي (19 مارس الجاري 2024) بالرباط، جلسة عمل جرى خلالها تدارس ورش إصلاح الأنظمة، خصوصا أن الحكومة تعتزم تنزيل الإصلاح خلال السنة الجارية، « وفق مقاربة تشاركية مع الشركاء الاجتماعيين، استعدادا لجولة الحوار الاجتماعي القادمة » حسب ما جاء في تدوينة في صفحة خاصة برئيس الحكومة على فيسبوك. وشهدت الجلسة حضور وزيرة الاقتصاد والمالية، ورئيس هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي، وعدد من مسؤولي الوزارة.
وجرى خلال جلسة العمل، حسب ما تضمنته التدوينه المذكورة تقديم عرض من قبل نادية فتاح، وزيرة الاقتصاد والمالية حول الوضعية الحالية لصناديق التقاعد « المطبوعة بتعددها واختلاف هيكلتها وحكامتها وكذا إطارها التنظيمي. كما طرحت سيناريوهات الإصلاح الممكنة، والإطار العام الذي تعتبره الحكومة وجيها لمعالجة هذا الملف الاجتماعي المهم، وذلك عبر إصلاحات هيكلية وجوهرية تراعي مصلحة جميع الأجراء في القطاعين العام والخاص ».
وأضافت الوزيرة في عرضها وفق ما جاء في التدوينة أن « الحكومة تواصل نهجها الرامي لإصلاح صناديق التقاعد، باعتبارها رافعة أساسية لضمان التوازن المالي لصناديق التقاعد وديمومتها، في إطار الدولة الاجتماعية ».
وكانت وزيرة الاقتصاد والمالية المغربية، نادية فتاح، أكدت في نونبر الماضي أن الحكومة قررت البدء في إصلاح أنظمة التقاعد المهددة بالإفلاس مع بداية العام الجاري (2024).
وأوضحت في مداخلة في لجنة المالية بمجلس النواب خلال مناقشة مشروع قانون المالية، أن الحكومة سبق لها أن وعدت بالشروع في إصلاح صناديق التقاعد والتعاطي مع العجز الذي تعانيه، وأنها أجلت المناقشة في أبريل ومارس 2023 العام الماضي بسبب « الأوضاع الاقتصادية الصعبة ». وتحدثت أيضا عن التخوف من عدم قبوله آنذاك بالنظر إلى ارتفاع الأسعار وتزامن الشهرين المذكورين مع شهر رمضان وما يتطلبه من مصاريف.
موقف « البام »
كان موضوع إصلاح أنظمة التقاعد حاضرا في الاجتماع الأخير للمكتب السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة « البام » الذي نوه بلاغ « بانكباب الحكومة بكل مسؤولية وشجاعة على فتح الورش الاجتماعي الضخم » المتمثل وفق البلاغ في « ملف إصلاح أنظمة التقاعد، في محاولة لتجاوز اختلالات سنوات من التماطل في هذا الإصلاح الجوهري »، داعيا « جميع الأطراف والشركاء المعنيين بهذا الملف إلى الانكباب بجدية ووطنية، وبتواصل شفاف ومكثف، لتحقيق الإصلاح المنشود، بعيدا عن الخطابات المشككة، أو التي تنشر المغالطات في صفوف المواطنات والمواطنين ».
واستحضر المكتب السياسي لـ« البام » قوة ومكانة البعد الاجتماعي « في مختلف مبادئه ووثائقه ومرجعياته، مبرزا ثقته واستعداده « للإسهام بمسؤولية داخل الحكومة في إصلاح هذا الورش المركزي في بناء الدولة الاجتماعية، وتحقيق التوازنات الاستراتيجية المطلوبة في هذا الإصلاح المبنية على التخفيف من تكاليف تحملات الدولة مستقبلا من جهة، ومن جهة أخرى الحفاظ في نفس الوقت على إنصاف منخرطي هذه الصناديق ».
دواعي استعجال الإصلاح
يرى علي الغنبوري رئيس مركز الاستشعار الاقتصادي والاجتماعي ردا على سؤال le360 حول دواعي استعجال الإصلاح « أن إصلاح منظومة التقاعد اليوم تمليه ضرورتان أساسيتان، أولا كون المنظومة تعاني أزمة بنوية ويتهددها شبح الإفلاس، فنظام المعاشات المدنية الذي يديره الصندوق المغربي للتقاعد من المرتقب أن تنتهي احتياطاته المالية المقدرة بـ65 مليار درهم حاليا في أفق سنة 2028، ما سيفرض على الدولة توفير ازيد من مليار و400 مليون درهم سنويا من اجل ضمان استمرار هذا الصندوق في أداء واجبات المتقاعدين، ثانيا يجب ألا ننسى أننا في سياق تنزيل مقتضيات النموذج التنموي الجديد الذي حدد أفق سنة 2035 للتحول إلى دولة صاعدة، من خلال إنجاز مجموعة من الأوراش والإصلاحات الهيكلية، في مقدمتها ورش تعميم الحماية الاجتماعية، الذي يشكل تعميم التقاعد احد أهم محاوره، ما سيجعل من الصعب الحديث عن إنجاز هذا الورش في ظل أزمة بنيوية تعانيها الحاضنات المؤسساتية لتدبير التقاعد.
بخصوص تعميم التقاعد الذي أوصى به النموذج التنموي الجديد وأكد ضرورة تعميمه يقول علي الغنبوري إن « تعميم التقاعد سيكون مفيدا جدا ومناسبا لسد الفجوة بين عدد المنخرطين بصناديق التقاعد وعدد العاملين، ما سيمكن منظومة التقاعد من تحقيق التوازن بين الاشتراكات والحقوق الممنوحة للمتقاعدين، لكن نجاح هذا الامر متوقف بشكل أساسي على إصلاح منظومة التقاعد التي تواجه الأزمة حاليا، وعلى إخراج سيناريو واضح فيما يتعلق بشكل هذه الصناديق، فهل سيجري دمجها أم الاعتماد على قطبين، قطب خاص وقطب عام؟ كل السيناريوهات والاحتمالات مطروحة للنقاش، وتنتظر حسما سريعا من طرف الحكومة لتفادي استفحال الأزمة.
سبب معارضة النقابات
كانت المركزيات النقابية أكدت سابقا أنها لا تشاطر المقاربة الحكومية، وتشدد على ضرورة مراعاة وضع الأجير، وعدم حل الأزمة على حسابه وتأزيم وضعه المالي. وتترقب النقابات أن تميط اللثام عن تصورها الجديد، مع التأكيد على أنها (النقابات) متشبثة بأن يكون تعاطي الحكومة مع مطلبها مرتبطا باتفاق أبريل 2022.
ويرى الغنبوري أن الحكومة « اعتمدت نتائج دراسة أنجزتها في هذا الصدد ترتكز على ثلاثة افكار أساسية، للأسف تصب كلها في جعل الأجير المعني الوحيد والحصري بأداء كلفة الإصلاح.
وجاءت الحكومة بسيناريو إصلاح يدعو الى رفع نسبة الاشتراكات وسن التقاعد إلى 65 سنة وتخفيض قيمة منح التقاعد، وهي مقترحات كما ترون يتحمل الأجير وحده كلفتها، وهو ما لا يتمشى مع طبيعة الأزمة التي تعانيها هذه الصناديق والتي ساهمت الدولة في استفحالها، فلا يجب ان ننسى أن الدولة امتنعت عن تأدية واجابتها المالية لنظام المعاشات المدنية من سنة 1959 الى سنة 1997، هذا بالإضافة إلى الفضائح المالية التي هزت هذه الصناديق لسنوات طويلة، لهذا فلا يمكن اليوم تحميل الاجراء وحدهم تكلفة هذا الاصلاح.
السيناريوهات الممكنة
يقول علي الغنبوري إن أزمة صناديق التقاعد « تتطلب حوارا وطنيا صريحا وشفافا، والأهم من هذا كله أن يكون إصلاحا عادلا يتحمل الكل المسؤولية في تدبيره ».
وأضاف أن « ما تقدمه الحكومة اليوم لا يمكنه أن يشكل أرضية حقيقية لتجاوز الأزمة في ظل معطيات اجتماعية متوترة. فالحوار حول إصلاح أنظمة التقاعد يجب ان يشمل كافة الأوجه وكافة المعطيات، وخاصة تلك المتعلقة بمردودية استثمار احتياطات صناديق التقاعد والتدبير والحكامة، فلا يعقل أن تظل الاستثمارات تمس فقط السندات بقيمة 2.5 في المئة ولا يعقل أن يفرض على الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي عدم التصرف في احتياطاته المالية واستثمارها بما ينعكس بشكل إيجابي على وضعيته المالية ».
وختم رئيس مركز الاستشعار الاقتصادي والاجتماعي بالقول: « ما تحتاجه اليوم أزمة صناديق التقاعد هو الحوار في ظل المصلحة الوطنية، بما يمكن من تجنب الكارثة ».