ما سبب استمرار مآسي المفرقعات والشهب الصناعية بالمغرب؟

شهب ومفرقعات

شهب ومفرقعات . DR

في 09/04/2023 على الساعة 11:45, تحديث بتاريخ 09/04/2023 على الساعة 11:45

أعادت حادثتا مقتل شابين بالدار البيضاء بسبب المفرقعات النارية، النقاش حول أسباب استمرار المآسي والعاهات المستديمة التي تسببها الشهب الاصطناعية، بين من يُعزي انتشار هذه الممنوعات إلى « تساهل » الجهات المختصة في التعامل مع الذين يستوردون هذه المواد ويتاجرون فيها، وبين من يتهم السلطات بعدم تطبيق القانون ضد مروجي ومستهلكي هذه المتفجرات التي تشكل خطرا على مستعمليها قبل غيرهم وتهدد سلامتهم الجسدية بعاهات مستديمة.


قبل ساعة من مغرب شمس يوم الأحد 26 مارس 2023، كان أشرف يتابع مع رفاقه وسط أحد دروب حي سيدي مومن القديم بالدار البيضاء، مباراة كرة قدم يلعبها شبان الدرب في إطار دوري رمضاني. كان أشرف (22 سنة) يزجي وقته بالتفرج على المباراة في انتظار موعد الإفطار، فجأة اندلعت مشاجرة عنيفة يبن مجموعتين من الشبان من بين المتحلقين حول الملعب.

لم يكن للشجار علاقة بالكرة أو بخلاف بين مشجعي الفريقين، وإنما بسبب ساعة يدوية ثمينة عمد أحدهم إلى سرقتها من شاب، فاصطدم أنصار هذا بأتباع ذاك. توقفت المباراة واحتدم العراك بالأيدي ثم انتقل المتعاركون إلى التراشق بمفرقعات نارية. في تلك اللحظات التي مرت بسرعة البرق، وجد أشرف نفسه وسط تلك «الحرب» العنيفة، فهرول مسرعا يحاول الإفلات بجلده سالما، بيد أن أحد المتعاركين مر بمحاذاته فأطلق عليه «صاروخا» ناريا أصابه في إحدى عينيه فأسقطه أرضا واشتعلت النيران حول جسده... وسط كل تلك الفوضى، لم يلتفت أحد لحال أشرف الذي ظل في مكانه إلى أن فارق الحياة.

قبل هذا الحادث المؤلم بساعات، وغير بعيد عن حي سيدي مومن، كان حي مولاي رشيد قد شهد حادثة مماثلة انتهت بمقتل شاب آخر متأثرا بتعرضه للاعتداء بمفرقعات نارية.

تساهل وانفلات

على الرغم من أن مصالح الأمن قد تدخلت فور وقوع الحادثتين السابقتين وأوقفت المتورطين في جريمتي القتل وحجزت مفرقعات نارية لدى الموقوفين، إلا أن ناشطين في المجتمع المدني لا يخفون وجود «تساهل» من طرف السلطات إزاء مروجي هذه الممنوعات الخطيرة.

«إن توالي الحوادث الناجمة عن استعمال الشهب الاصطناعية والمتفجرات المدنية يثير عدة تساؤلات حول تساهل السلطات مع المتاجرين فيها والمستوردين لها، يقول علي لطفي، رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة، لافتا إلى أن هذا «التساهل» يتعارض مع مضامين القانون 22.16 الذي ينظم استعمال هذه المتفجرات ذات الاستعمال المدني والشهب الاصطناعية الترفيهية، التي أصبحت –حسب المتحدث- «تشكل خطرا على صحة وسلامة المغاربة، حيث باتت «منتشرة في كل مكان، في صفوف الأطفال والمراهقين، على مرأى ومسمع من المسؤولين، في غياب أية مراقبة».

«ينص القانون المتعلق بتنظيم المواد المتفجرة ذات الاستعمال المهني والشهب الاصطناعية الترفيهية، والمعدات التي تحتوي على مواد نارية، على عقوبات تتراوح بين سنتين وخمس سنوات وغرامة ما بين 50 ألف درهم و500 ألف درهم»

—  القانون رقم 22.16 المتعلق بتنظيم المواد المتفجرة

ويتفق مع علي لطفي، في ما يتعلق بالخطر الذي باتت تشكله المتفجرات، الناشط الجمعوي المدافع عن حقوق المستهلك، وديع مديح، رئيس جمعيةUNICONSO ، الذي دق ناقوس الخطر بسبب «الانتشار الكبير» لهذه المتفجرات في صفوف المراهقين والقاصرين. «لقد بات الأمر خطيرا للغاية، لم تعد هذه المواد المتفجرة تُستخدم للترفيه فقط كما في السابق خلال مناسبة عاشوراء، بل تحولت إلى أسلحة نارية توظف في الخلافات والمشاجرات بين الشبان والقاصرين وسط الدروب وتتسبب في القتل أو إلحاق عاهات مستديمة بالضحايا..»، يقول مديح في تصريح لـle360، محذرا من عواقب «الانفلات» الذي آلت إليه المفرقعات وما تشكله من مخاطر على السلامة البدنية للمواطنين والممتلكات أيضا.

خارجون عن القانون

لا تدخر مصالح الأمن، والجمارك أيضا، أي جهد من أجل محاربة ترويج المفرقعات النارية، وتطبيق القانون ضد المروجين والباعة المخالفين. ومع ذلك، لا يزال هناك العديد من الخارجين عن القانون، الذين يقومون بتهريب وترويج هذه المواد الخطيرة.

وبينما يخضع استيراد المفرقعات الصناعية لتأطير القانون، الذي يحدد كيفية دخولها ونقلها وتخزينها وتفجيرها، كما هو الشأن بالنسبة إلى المواد التي تستعمل في نسف الجبال لتعبيد الطرق أو حفر الآبار، فإن القانون يسمح فقط بدخول منتوجات صغيرة تحتوي على مواد قابلة للانفجار شريطة ألا يتجاوز وزن الواحدة منها ثلاث غرامات. والمفرقعات موضوع حدثينا تندرج ضمن الصنف الأول الذي يمنع استيراده خارج القانون. فكيف تدخل هذه الممنوعات وتجد طريقها إلى أيادي القاصرين والمراهقين في المغرب؟

طرحنا هذا السؤال فتم توجيهنا مباشرة إلى سوق درب عمر بقلب الدار البيضاء، حيث تتواجد محلات تعرض مفرقعات الترفيه إلى جانب الألعاب والدمى. بحثنا عن الشهب الاصطناعية فلم نجد غير مفرقعات خفيفة مستوردة من الصين وإسبانيا عبر سبتة المحتلة.

في كل مرة نستفسر فيها أحد هؤلاء التجار عن الشهب الاصطناعية إلا ويجيب، بحزم ممزوج بالخوف والهلع، نافيا وجود تلك المواد الخطرة في محله. سبب هذا الخوف مرده إلى الحملات التي تشنها مصالح الشرطة بين الفينة والأخرى ضد بائعي ومروجي المفرقعات، لذلك تصرّف من سألناهم كمن يتوجس من أن تلتصق به تهمة لا تُحمد عقباها.

«بسبب الخوف من الاعتقال، نقل غالبية المتاجرين في المفرقعات الخطرة بضائعهم إلى مخازن سرية، وبعضهم يتخذ من بيته مخبأ لهذا النوع من المتفجرات، ويرسل من يتصيد له زبائن، مع كل ما يتطلب الأمر من الحيطة والحذر من أن يكون الزبون طُعما أو متعاونا مع الشرطة»، يقول جواد، وهو اسم مستعار لشاب ثلاثيني ينشط ضمن أحد فصائل مشجعي فريق كرة قدم معروف. كان جواد يرافقنا خلال البحث ويتولى الاستفسار عن مسميات محددة من الشهب تنم عن خبرته في استعمالها.

متاجر افتراضية

كشف جواد في حديث مع le360، عن بعض الطرق التي يحصل عليها أعضاء « الإلتراس » على الشهب الصناعية التي يتم الاحتفال بها عقب فوز فريقهم، سواء داخل الملاعب أو خارجها.

وقال هذا الشاب، الذي يعشق فريقه ويناصره بشدة ولا يغيب عن مبارياته أينما كانت، إن الحصول على الشهب الصناعية «لم يعد سهلا كما كان في السابق، بسبب تشديد المراقبة عليها» من طرف الشرطة والجمارك. غير أنه استطرد مضيفا أنه «رغم الخناق المضروب على استيراد المتفجرات إلا أن البعض ما يزال يتمكن من استيراد كميات كبيرة (كونتونيرات)، بينما البعض الآخر يحصل عليها عن طريق التهريب». هنا أخرج جواد هاتفه النقال وشرع في البحث عن شيء ما عبر الانترنيت، ثم فجأة عرض علينا نتيجة ما كان يبحث عنه. لقد كتب في خانة البحث الاسم التجاري لإحدى علامات الشهب الصناعية فجاءت النتائج تكشف عن عدة «متاجر افتراضية» متفرقة في المغرب، تعرض البضاعة المطلوبة بأسعار مختلفة...

ترويج الشهب الصناعية عبر الانترنيت

«يكفي الاتصال بأحد هؤلاء التجار والاتفاق معه على مكان لتتم فيه عملية البيع والشراء»، يوضح جواد، مشيرا إلى أن مروجي الشهب الصناعية وإن كانوا قد وجدوا في الانترنيت فضاء يساعدهم على ممارسة أنشطتهم السرية، إلا أن الأمر يتطلب من البائع الكثير من الحذر والتثبت قبل لقاء الزبون، مخافة الإيقاع به في قبضة الأمن.

مخاطر سوء الاستخدام

بالنسبة لجواد، الذي اعتاد على إطلاق الشهب الصناعية في الملاعب وغيرها، فإن هذه المفرقعات « لا تشكل خطرا على الإنسان إذا تم استخدامها على النحو الصحيح ». ويمضي موضحا أن « الشهب لن تؤذي أحدا إذا تم إطلاقها في اتجاه السماء، لكن الخطر يكمن حين يتم توجيهها مباشرة صوب شخص قريب.. تماما مثلما وقع في حالتي الشابين الذين لقيا مصرعهما مؤخرا بمدينة الدار البيضاء ».

شاهد كيفية استعمال الشهب الصناعية:

تتكون المفرقعات والشهب الصناعية من مواد كيميائية خطيرة وقابلة للاشتعال، والتي يتم استخدامها بشكل غير آمن وغير مسؤول من قبل بعض الأفراد. وبالتالي، يتعرض الناس لخطر الإصابة بالحروق والجروح والأضرار الناجمة عن الانفجارات الغير متوقعة.

وحسب علي لطفي، رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة، فإن هذه الألعاب «عادة ما تؤدي الى إصابات عديدة لدى مستخدميها من الشباب والأطفال، كالحروق في جفون العين؛ حيث تصاب العين بحروق أو يقع تمزق في الجفن، أو دخول أجسام غريبة في العين أو انفصال في الشبكية، ما قد يؤدي إلى فقدان كلي للعين، بالإضافة إلى أضرار وعاهات مستدامة على مستوى السمع، كالصمم الجزئي أو الكلي؛ أو إصابات وحروق وجروح في اليدين وإصابات على مستوى الوجه، أو أجزاء مختلفة في الجسم».

ولا يقتصر خطر هذه الشهب والمفرقعات على إيذاء الإنسان، بل قد يتعداه إلى التسبب في أضرار بالبيئة، حسب تصريح علي لطفي، الذي يوضح قائلا: «المكونات الكيميائية للشهب والمفرقعات مثل البارود والكبريت والرصاص والنحاس والزئبق والزنك وغيرها من المواد المشعة، يمكن أن تتسرب إلى التربة، ومن ثمة إلى المياه الجوفية..».

كما أن استعمال هذه المواد قد يتسبب، حسب المتحدث نفسه، في «نشوب حرائق في الممتلكات أو المباني والمتاجر وحتى في الغابات، بسبب احتوائها على مواد قوية مثل البارود والكبريت..».

القانون لا يكفي

يضم القانون المغربي عقوبات صارمة ضد مروجي المفرقعات والشهب الصناعية، حيث يعد ترويجها وتداولها مخالفاً للقانون ويعاقب عليها بالسجن والغرامات.

وينص القانون رقم 22.16، المتعلق بتنظيم المواد المتفجرة ذات الاستعمال المهني والشهب الاصطناعية الترفيهية، والمعدات التي تحتوي على مواد نارية، على عقوبات تتراوح بين سنتين وخمس سنوات وغرامة ما بين 50 ألف درهم و500 ألف درهم أو بإحداهما في حق من يحوز هذه المواد بشكل غير قانوني، أو يقوم بإدخالها إلى المغرب بطريقة غير قانونية.

وبرأي الفاعل الجمعوي وديع مديح فإن المقاربة الأمنية وحدها لا تكفي للحد من المآسي التي تتسبب فيها المفرقعات والشهب الصناعية بالمغرب، بل يستوجب الأمر حسبه إشراك الأسر والمجتمع المدني في حملات التوعية والتحسيس بمخاطر المفرقعات والشهب الصناعية، والتحذير من استخدامها بشكل غير آمن وغير مسؤول.

بدوره، دعا رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة، إلى «تطبيق القانون بصرامة ضد مستوردي هذه الممنوعات والمتاجرين فيها، وذلك حفاظا على السلامة الجسدية للمواطنين».

ويعود مديح، في ختام تصريحه، لينبه إلى المخاطر التي قد تنجم عن استمرار « التساهل » مع مستوردي الشهب الصناعية والمفرقعات، حيث قال: «من يسهل عليه أن يدخل هذه الممنوعات إلى البلاد فلن يتوانى في إدخال حتى الأسلحة النارية والذخائر..».

تحرير من طرف ميلود الشلح
في 09/04/2023 على الساعة 11:45, تحديث بتاريخ 09/04/2023 على الساعة 11:45