المغرب يستعد لتطبيق قانون العقوبات البديلة.. نقلة نوعية في السياسة الجنائية

السوار الإلكتروني لمراقبة الجناة

في 09/05/2025 على الساعة 19:30

من المنتظر أن يدخل القانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة حيز التنفيذ بالمغرب ابتداء من 22 غشت 2025، إيذانا بمرحلة جديدة في السياسة الجنائية المغربية، قائمة على فلسفة إصلاحية بديلة للعقوبات السالبة للحرية، تروم تعزيز الاندماج الاجتماعي للمحكوم عليهم، وتقليص حدة الاكتظاظ في المؤسسات السجنية، والرفع من فعالية العقوبات وتكييفها مع متطلبات العدالة الحديثة.

أعلن الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، الحسن الداكي، عن شروع رئاسة النيابة العامة في تفعيل القانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة للعقوبات السالبة للحرية.

دليل عملي ودورات تكوينية

في سياق الاستعداد لتطبيق هذا القانون، أكد الداكي أن رئاسة النيابة العامة بصدد إعداد دليل عملي يوضح كيفية تطبيق العقوبات البديلة، مع الحرص على تنظيم دورات تدريبية لفائدة المكلفين بتنفيذ هذه الأحكام، وعقد لقاءات مع المسؤولين القضائيين لتجاوز التحديات التي قد تعيق التطبيق الفعلي والناجع للقانون.

الداكي أوضح، خلال افتتاح أشغال يومين دراسيين نظمتهما رئاسة النيابة العامة بشراكة مع مجلس أوروبا، أن القانون أسند إلى النيابة العامة صلاحيات محورية في تنفيذ أحكامه، مبرزا أنه يشكل نقلة نوعية في المفهوم الحديث للعقوبة، حيث لم تعد العقوبة مجرد وسيلة للردع بل أصبحت أداة لإعادة التأهيل والتهذيب، مع الإبقاء على المحكوم عليه داخل محيطه الاجتماعي، واستمرار مساهمته في النسيج الاقتصادي والاجتماعي.

أربع عقوبات بديلة

القانون الجديد يفتح الباب أمام بدائل للعقوبة الحبسية في حالات الجنح التي لا تتجاوز عقوبتها خمس سنوات حبسا نافذا. وتشمل العقوبات البديلة أربع أصناف:

1. العمل لأجل المنفعة العامة: يشمل تنفيذ أعمال غير مؤدى عنها تتراوح مدتها بين 40 ساعة و3600 ساعة، لفائدة مصالح عمومية أو جمعيات ذات منفعة عامة، ويشترط أن يبلغ المحكوم عليه 15 سنة على الأقل.

2. المراقبة الإلكترونية: يتم تتبع المحكوم عليه إلكترونيا، داخل نطاق مكاني وزماني تحدده المحكمة، مع مراعاة ظروفه الاجتماعية وسلامة الضحايا.

3. تقييد بعض الحقوق أو فرض تدابير علاجية أو تأهيلية أو رقابية: تشمل منع المحكوم عليه من مزاولة نشاط معين أو إلزامه بالخضوع للعلاج أو برامج التأهيل.

4. الغرامة اليومية: تتمثل في أداء مبلغ مالي عن كل يوم من العقوبة الحبسية، يتراوح بين 100 و2000 درهم، ويراعى فيها الوضعية المادية للمحكوم عليه وخطورة الجريمة المرتكبة.

استثناءات من التطبيق

رغم طبيعتها الإصلاحية، فإن العقوبات البديلة لا تشمل جميع أنواع الجرائم. فقد استثنى المشرّع جرائم تمس بأمن الدولة، وقضايا الإرهاب، والفساد المالي مثل الرشوة واختلاس المال العام، إضافة إلى الجرائم ذات الطابع الخطير كالاتجار الدولي في المخدرات، وغسل الأموال، والاستغلال الجنسي للقاصرين، والاتجار في الأعضاء البشرية.

مرحلة جديدة في السياسة الجنائية

من جانبه، وصف محمد عبد النباوي، الرئيس الأول لمحكمة النقض، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، القانون بأنه « علامة فارقة في مسار السياسة الجنائية بالمغرب »، معتبرا أن دخوله حيز التنفيذ يشكل بداية مرحلة جديدة تعتمد على العدالة التصالحية وتثمين الكرامة الإنسانية، وتُعلي من شأن إعادة الإدماج الاجتماعي للمحكوم عليهم.

وأوضح عبد النباوي، في لقاء وطني نظم بالرباط تحت شعار « القضاء في خدمة الإدماج »، أن العقوبات البديلة تعكس تطورا في المنظور الدولي للعقاب، من مجرد الردع إلى إصلاح السلوك وإعادة الإدماج، مشيرا إلى أن التجارب الدولية في هذا المجال أثبتت نجاعتها وفعاليتها، وهو ما شجع المغرب على المضي في هذا الاتجاه.

تحديات وتكامل مؤسساتي

يواكب تنزيل هذا القانون انخراط العديد من المؤسسات المعنية، وعلى رأسها القضاء، النيابة العامة، والمندوبية العامة لإدارة السجون، وذلك في أفق بناء تصور مشترك حول التطبيق العملي للعقوبات البديلة، وضمان التنسيق بين مختلف المتدخلين لمواجهة التحديات المرتبطة بالبنية التحتية، والتكوين، وآليات المراقبة.

كما يشكل القانون فرصة سانحة لإعادة التفكير في النموذج العقابي التقليدي الذي أثبت محدوديته في تحقيق الردع وإعادة الإدماج، لاسيما في ظل تفاقم ظاهرة الاكتظاظ داخل السجون، وتنامي كلفة الاعتقال، اجتماعيا واقتصاديا.

تحرير من طرف حفيظ الصادق
في 09/05/2025 على الساعة 19:30