بعد 62 سنة من استشهاده.. محمد الزرقطوني ليس مجرد شارع!

DR

في 18/06/2016 على الساعة 16:26

في مثل هذا اليوم من سنة 1954، فقدت أسرة المقاومة المغربية أحد أبرز أعلامها، الذين ارتبط اسمهم بالعمل السري والنضال ضد المستعمر الفرنسي.. الحديث عن محمد الزرقطوني الذي آثر الموت على أن يعترف بأسرار الخلايا السرية.. بعد 62 نعيد قراءة مسار الشهيد.

"مثلما أخرجتم النازية وهتلر من فرنسا، سنخرجكم من أرض المغرب، ومحمد بن يوسف سيعود إلى الوطن، ...والمغاربة، طال الزمن أو قصر سينالون استقلالهم" كانت هذه آخر الكلمات التي نطق بها محمد الزرقطوني إثر وقوعه في الأسر، بعد وشاية من أحد الافراد.

كلمات الزرقطوني الأخيرة، كانت بمثابة الوصية لأفراد الخلية السرية، لمواصلة عملياتها النوعية إلى أن ترضخ سلطات الحماية للأمر الواقع.

قبل وقوعه في الأسر بين أيدي السلطات الفرنسية، كان محمد الزرقطوني قد اختار العمل السري رفقة خلية مسلحة، رافعا شعار "العنف لا يواجه إلا بالعنف". في هذا الإطار يقول الكاتب الصحفي الحسن العسيبي، الذي وثق مسار الزرقطوني في كتاب صادر سنة 2000 وبيعت جميع نسخه، "في أبريل سنة 1947، كان السلطان محمد الخامس، يعد لزيارة طنجة الشهيرة، هناك حيث سيلقي خطابه، بيد أن سلطات الحماية، ووعيا منها برمزية هذه الزيارة، التي تصل مناطق نفوذ الحماية الفرنسية، بنظيرتها الإسبانية انتهاء بطنجة الدولية، سارعت إلى نسف الرحلة، عبر ضربة "سانيكال" الدموية، التي أفضت إلى مقتل أزيد من ألفي شخص من العزل، هنا بالضبط أحس الزرقطوني بأنه لا مناص من استعمال العنف لمواجهة العنف".

خلية "القانون المحروق"

ردا على عنف سلطات الحماية، أسس محمد الزرقطوني خلية "القانون المحروق" سنة 1948، بالمدينة القديمة للدار البيضاء، وكان بمعية سبعة أفراد آخرين. تسمية الخلية بهذا الاسم لم تأث من عبث، حيث يفسر العسيبي في حديث مع Le360 " لقد قام أفراد الخلية السبعة بصياغة قانون داخلي، عبارة عن قسم لضمان السرية دفاعاا عن شرعية المغرب، فأحرقت الورقة التي دبج فيها القانون، وتم صب الماء عليها، وشرب الرماد المتبقي، في خطورة رمزية تحمل الكثير من المعاني".

تأسيس خلية "القانون المحروق"، كان أولى الخطوات التنظيمية في مسار الزرقطوني، لتأتي أحد أهم المراحل في حياة الزرقطوني، تزامنا مع الذكرى الفضية لعيد العرش في 16 نونبر 1952، حينما أشرف الرجل على حفل ضخم قرب المعرض الدولي للدار البيضاء، نجاح الحفل كلف الزرقطوني الدخول إلى العمل السري، لأنه ولأول مرة سيرفع الزرقطوني العلم المغربي إلى جانب أعلام الدول المغاربية، ويضيف العسيبي " أنه تم مع بث أفكار مفادها أن النضال المغربي يجب أن يكون موحدا مع نضال الشعوب المغاربية لمقاوة الاستمار، أي أن الزرقطوني وسع الوعي النضالي.. هذا دون أن نغفل نقطة أخرى، وهي استغلال الزرقطوني للمناسبة من أجل إقناع وفد صحفي أجنبي للحضور للحفل، ليكتشف الوفد ماهية النضال المغربي، هنا وقفت سلطات الحماية على خطورة هذا التنظيم، فما كان من الزرقطوني سوى الدخول إلى السرية بعد أن اتضح للمستعمر أنه كان الرأس المدبرة لهذا التنظيم".

رد الصاع صاعين 

التحول إلى عالم السرية، استدعى الزرقطوني تغيير عنوانه من المدينة القديمة إلى درب السلطان، والانتقال من تجارة الاثواب إلى تجارة الخشب، لتبدا سلسلة لقاءات جديدة تحمل نفس الفكر، وتنتمي لخلايا حزب الاستقلال، وفي طليعتهم محمد منصور، ومولاي العربي الشتوكي، الشابي الصنهاجي، ... هذه المجموعة هي التي حولت النضال إلى مرحلة النضج، سواء في العمل التنظيمي أو التخطيط لعمليات كبرى ضد المستعمر.

ويحكي العسيبي، الذي ترجم كتابه الذي اصدره رفقة ابن الشهيد، عبد الكريم الزرقطوني، إلى الانجليزية ان "العمل السري ضمن الخلية الجديدة كان أكثر نضجا، فبعد نفي السلطات الاستعمارية محمد الخامس في 20 غشت 1953 تزامنا مع عيد الأضحى، قررت الخلية الرد بقوة على المستعمر تزامنا مع أعياد الميلاد المسيحية من خلال عملية "مارشي سونترال"".

اختيار المكان والزمان في عملية "مارشي سونترال" لم يكن اعتباطيا، وقبل العملية التي صادفت رأس السنة، اجتمع الراحل الزرقطوني بكل من حسن العرايشي ومحمد منصور وعبد السلام بناني تحت غطاء منظمة "اليد السوداء" وخرجوا بضرورة الرد القوي على نفي محمد الخامس بتخطيط من محمد الزرقطوني، فوضعوا نصب اعينهم تصفية بعض الخونة في شتنبر من السنة نفسها، فسقط كل من العربي المسكيني ومحمد بنيس وعبد الله الفاسي، فكانت مرحلة جديدة من مسار المقاومة.

بعد هذه العمليات التمهيدية بأسابيع، كان الموعد مع أحد أكبر العمليات في تاريخ منظمة اليد السوداء، بحسب ما روى المؤرخ محمد بوعزيز، بحيث تم تفجير قنبلة ليلة رأس السنة الميلادية، ردا على نفي محمد الخامس تزامنا مع عيد الأضحى، فتلت هذه العملية عملية اخرى، فجر خلالها القطار الرابط بين الرباط والجزائر.

النهاية.. حبة سم

لم يتخيل للزرقطوني أن يقع في قبضة المستعمر بوشاية من أحد ابناء وطنه، فبعد إقدام سلطات المستعمر على اعتقال البشير شجاعدين، أحد اصدقاء الزرقطوني، تورط صهر البشير مع الشرطة السرية الفرنسية، التي أقنعته أنه صهره سيعانق الحرية إذا ما دلهم على مكان تواجد الزرقطوني، وذلك ما كان، فقد توجه صهر شجاعدين إلى الزرقطوني مخبرا إياه أن قضية البشير شجاعدين قد حلتن وما عليك إلا العودة إلى البيت. بعدها اقتحمت عناصر الشرطة منزل الزرقطوني فألقت عليه القبض.

ولأن الزرقطوني كان واعيا بخطر وقوعه في الاسر في أية لحظة، اختار تناول حبة سم، لينأى بنفسه عن اي استننطاق قد يفضح عناصر الخلية. "بمجرد ما وصل الزرقطوني لمخفر الشرطة بشارع الروداني حاليا، سقط صريعا تحت تأثير السم يضيف العسيبي، فخاب أمل المستعمر الفرنسي في نزع أي اعتراف، فلم يسمعوا منه سوى تلك الكلمات التي نطقها في آخر ثواني حياته، والحملة لبشارة الاستقلال.

ماذا بقي من الزرقطوني؟

اليوم بعد 62 سنة من استشهاد محمد الزرقطوني، نطرح السؤال، ماذا بقي من الشهيد عدا أسماء الشوارع والمدارس التي تحمل اسمه؟ " الزرقطوني ليس مجرد شارع، الزرقطوني حي في ذاكرة المغاربة" يجيب العسيبي، مضيفا " المغاربة يعرفون النقط المضيئة في تاريخهم، على عكس ما قد يتوقهم البعض، والدليل على ذلك هو إقبال المغاربة على قراءة سيرة الزرقطونين مباشرة بعد توثيقها في كتاب يرسم مسار الراحل".

في 18/06/2016 على الساعة 16:26