أحزاب كبرى تغرق في فوضى مالية
يتصدر حزب التجمع الوطني للأحرار، قائد الائتلاف الحكومي، قائمة الأحزاب التي سجلت أكبر حجم من الفوضى المالية، إذ تلقى دعماً عمومياً قدره حوالي 38,69 مليون درهم خلال سنة 2023، لكنه اضطر إلى إرجاع أكثر من 12,86 مليون درهم لخزينة الدولة، بسبب عجزه عن إثبات صرفها أو لكونها لم تُستخدم أصلاً. هذا الوضع يكشف عن ثغرات جسيمة في منظومة التتبع والمراقبة الداخلية داخل الحزب، رغم إمكانياته المالية والتنظيمية الضخمة.
أما حزب العدالة والتنمية، الذي لا يزال يتلمّس طريقه بعد خروجه من الحكومة، فكان بدوره في قلب العاصفة المالية، بعد أن أعاد إلى الدولة ما يفوق 9,17 مليون درهم، مع ملاحظات ثقيلة تتعلق بنفقات غير موثقة أو مصروفة خارج الإطار القانوني.
التقرير يعكس حالة ارتباك حاد في إدارة موارده، وسط تراجع هيكلي في آليات التسيير.
قصور إداري وتوثيقي لدى أحزاب المعارضة المتوسطة
في مرتبة وسطى من حيث الالتزام، جاء حزب التقدم والاشتراكية، الذي صرّح بموارد متواضعة (4,8 مليون درهم)، لكنه لم يُوفّر الصيغة القانونية لشهادة محاسبه، كما أعاد أكثر من 1,65 مليون درهم لخزينة الدولة.
أما حزب الحركة الشعبية، فبرز بتواضع موارده (3,23 مليون درهم) لكنه سجل بدوره اختلالات في تبرير النفقات، مع غياب لبنية محاسبية صلبة، رغم أن المبلغ المعاد لم يتجاوز 100 ألف درهم.
تنظيم مالي نسبي داخل أحزاب أخرى
في المقابل، برز حزب الأصالة والمعاصرة كواحد من الأحزاب الأكثر التزامًا على المستوى المالي، حيث صرّح بمداخيل بلغت 14,67 مليون درهم دون تسجيل تحفظات كبيرة، وأعاد فقط 1,13 مليون درهم.
كذلك حافظ حزب الاستقلال على مستوى مقبول من الشفافية، حيث بلغت موارده 17,79 مليون درهم، مع بعض الملاحظات التقنية المرتبطة باستغلال الأصول الحزبية وعدم تفصيل العائدات.
أرقام صادمة: مال عام مهدور بالملايين
وفقا لتوصيات المجلس، يتوجب على الأحزاب إرجاع ما مجموعه:
- 15,07 مليون درهم لعدم تبريرها بوثائق قانونية؛
- 3,36 مليون درهم لعدم استعمالها أصلًا؛
- 2,88 مليون درهم استُعملت في غير الغايات المخصصة لها؛
- 0,65 مليون درهم صُرفت رغم عدم استحقاقها حسب نتائج الانتخابات.
كل هذه المبالغ تعكس هشاشة خطيرة في بنية التسيير الإداري والمحاسبي للأحزاب، وتطرح تساؤلات حادة حول قدرة هذه الكيانات على الاستفادة الفعلية من الدعم العمومي.
وصايا قضاة المجلس: إصلاح فوري ومحاسبة صارمة
دعا المجلس في تقريره إلى سلسلة من التدابير، أبرزها:
- الالتزام بمبادئ المحاسبة: الوضوح، الشمولية، وعدم المساس بالموازنة؛
- توثيق كل النفقات بمستندات معنونة باسم الحزب؛
- دعم القدرات الإدارية والمالية، واعتماد دلائل للمساطر وتوصيف المهام؛
- تنظيم دورات تكوينية منتظمة للموارد البشرية.
الدعم العمومي وسؤال الجدوى الديمقراطية
ما أكدته نتائج تقرير مجلس الحسابات هو أن حجم الدعم لا يعكس بالضرورة جودة الأداء ولا درجة الشفافية.
وإذا لم يُربط تمويل الأحزاب بالنجاعة، والمردودية المجتمعية، والشفافية المحاسبية، فإن المال العام سيبقى في مهب الريح، في مشهد حزبي يفتقد إلى الانضباط، ويُهدد الثقة المتآكلة أصلا في الفاعل السياسي.