تحقيق: «صرخات من جحيم تندوف».. شهادات توثق إرهاب البوليساريو

ناجون من جخيم بويساريو يفضحون ما تعرضوا له من تعذيب

في 10/08/2025 على الساعة 10:02

فيديوأرغموني على تأدية «رقصة الكلاب»، كنت أرقص حافيا فوق الجمر... اغتُصبت مرارا وأنا طفلة لا يتجاوز عمري ثماني سنوات... رأيت رجالا يموتون أمامي من شدة التعذيب..." ليست هذه مشاهد من فيلم رعب، ولا فقرات من رواية عن التعذيب، بل شهادات حقيقية، موثقة بالصوت والصورة، لضحايا مغاربة اختُطفوا من داخل وطنهم، واقتيدوا قسرا إلى جحيم المخيمات التي تديرها جبهة البوليساريو فوق التراب الجزائري. من خلال هذا الوثائقي الاستقصائي، يسرد لكم Le360 وقائع قاتمة كما عاشها أصحابها، لا كما تُروى، لتكشف واحدة من أكثر الصفحات سوادا في سجل الجبهة الانفصالية، حيث مورست الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في صمت دولي مطبق، لعقود طويلة.

الوثائقي الذي اخترنا له عنوان: «صرخات ناجين من جحيم إرهاب البوليساريو»، يسلط الضوء على الوجه الدموي لجبهة البوليساريو، من خلال عشر شهادات حية لضحايا مدنيين جرى اختطافهم من مناطق متفرقة من جنوب المغرب خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، ليقضوا سنوات طويلة داخل حفر وغيران وسجون سرية، أشهرها سجن الرشيد سيئ السمعة.

على مدار 20 دقيقة، يفتح الوثائقي أرشيفا مسكوتا عنه، يجمع بين التوثيق السمعي البصري لشهادات الناجين وتحليلات قانونية من مختصين في العلاقات الدولية والقانون الإنساني، في وقت تعرف فيه القضية منعطفا دوليا حساسا، يتمثل في طرح الكونغرس الأمريكي مشروع قانون فيدرالي لتصنيف جبهة البوليساريو كمنظمة إرهابية أجنبية.

شهادات من الجحيم

في شهادات تقشعر لها الأبدان، كشف ناجون من جحيم مخيمات تندوف تفاصيل صادمة عن جرائم وانتهاكات ممنهجة ترتكبها ميليشيات جبهة البوليساريو بحق المدنيين، بينهم نساء وأطفال، في ظل رعاية النظام الجزائري وتواطؤه.

يروي محمد أحمد الجكاني، وهو مدرس للقرآن واللغة العربية، كيف اختُطف من نواحي العيون سنة 1979، وعُصبت عيناه وأُلقي في حفرة ضيقة، قبل أن يُنقل إلى سجن إسباني في منطقة المحبس حيث زج به مع 40 مختطفا آخر في غرفة لا تتجاوز خمسة أمتار مربعة...

بدورها تقول گبل فهمي، التي اختطفت من طانطان وهي في سن الرابعة، بكلمات مقتضبة يغلب عليها الأسى: «من هول ما تعرضت له فقدت القدرة على الكلام وظللت بكماء أتواصل فقط بالإشارات...».

«كانوا يضعوننا حفاة ومعصوبي الأعين على منصة من الجمر والرمل الملتهب تحت شمس الصحراء، بينما نرفع أقدامنا من شدة الألم فنبدو وكأننا نرقص.. إنه «مسرج جهنم» الذي يستمتع به الجلادون»

—  محمد بداهي

تتوالى الشهادات كطلقات موجعة. يحكي محمد بداهي بألم بالغ، تفاصيل إخضاعه لما يسمى «مسرح جهنم»: «كانوا يضعوننا حفاة ومعصوبي الأعين على منصة من الجمر والرمل الملتهب تحت شمس الصحراء، بينما نرفع أقدامنا من شدة الألم فنبدو وكأننا نرقص. صرخاتنا كانت تُقابل بضحكات الجلادين الذين يستمتعون بمشاهد العذاب.»

أما الشويعر، الذي يوصف بأنه أحد أقدم ضحايا سجون بوليساريو، إذ قضى هنالك 16 سنة من عمره (بين 1975 و1991)، فيؤكد أن ما عاشه في سجون الجبهة «لا يمكن تجسيده حتى في الأفلام الخيالية».

القصص المأساوية تتكرر، بأسماء وظروف مختلفة، لكن المشهد واحد: مدنيون مغاربة، جرى اختطافهم من الأقاليم الجنوبية المغربية ثم زُجّ بهم في جحيم الصحراء الجزائرية.

منهم من كتبت له النجاة ليفضح الواقع الحقيقي للجبهة الانفصالية، مثل الشابة هدى الغزال، التي وُلدت عام 1991 في مخيمات تندوف وسط عائلة مغربية مختطفة، وتعرضت للاعتداءات الجنسية من طرف الجلادين منذ كان عمرها ثماني سنوات...

ومنهم من أُعدم بدم بارد، كالمواطن عبد السلام الصباغ، وزوجته الدية بنت محمد، بعدما استُدرجا مع طفليهما إلى المخيمات، لتتم تصفيتهما بالرصاص، بينما لا يزال مصير الطفلين مجهولا.

وجه آخر للجريمة: التواطؤ السياسي

لا يكتفي هذا التحقيق بتوثيق الفظائع، بل يكشف أيضا عن الدور المحوري للجزائر في هندسة هذه الجرائم، عبر دعم جبهة انفصالية منذ نشأتها سنة 1973، وتسخير أراضيها لانتهاك حقوق آلاف الصحراويين المغاربة، في محاولة لتفريغ الأقاليم الجنوبية من سكانها وتثبيت مشروع انفصالي بالقوة.

ووفق عمر خنيبيلا، الإعلامي السابق في جبهة بوليساريو، فإن هذه الانتهاكات كانت ممنهجة منذ 1974، وأن الهدف الحقيقي منها كان «إفراغ الصحراء من أهلها الأصليين، لصالح مشروع جزائري صرف يرتدي عباءة البوليساريو.»

مشروع أمريكي يقلب المعادلة

يأتي عرض هذا الوثائقي في سياق بالغ الأهمية، يتمثل في كشف الكونغرس الأمريكي عن مشروع قانون فيدرالي جديد، تحت رقم H.R. 4119، قدمه النائب الجمهوري جو ويلسون بدعم من الديمقراطي جيمي بانيتا، ويقضي بتصنيف جبهة البوليساريو كـ«منظمة إرهابية أجنبية».

ويستند المشروع إلى معطيات توثق «راوبط خطيرة» بين البوليساريو وتنظيمات مثل حزب الله، والحرس الثوري الإيراني، وحزب العمال الكردستاني، كما يرصد دورا مباشرا لإيران في تدريب وتسليح مقاتلي الجبهة بطائرات مسيّرة، في تطور يعتبره المشرّعون « تهديدا إقليميا متناميا».

من أبرز ما يسجله المشروع، ما كشفته صحيفة واشنطن بوست في أبريل 2025، عن توريد طائرات بدون طيار من إيران إلى البوليساريو، واستقبال عناصرها لتدريبات متقدمة. كما تطرق المشروع إلى حالات استهداف للمدنيين في سياق عمل الجبهة.

حين يشهد القانون على الجريمة

لا يكتفي الوثائقي بسرد الشهادات، بل يستعين بخبراء لتحليل طبيعة الانتهاكات وتكييفها القانوني.الأستاذ خالد شيات، المتخصص في القانون الدولي، يرى أن ما قامت به البوليساريو «يندرج ضمن الأعمال الإرهابية وجرائم الحرب، خصوصا أن الضحايا مدنيون وأن الانتهاكات ممنهجة ومستمرة، وتورطت فيها جهة منظمة مسلحة تديرها دولة أخرى، هي الجزائر.»

ويشير شيات إلى أن تصنيف البوليساريو كمنظمة إرهابية، وفق مشروع القانون الأمريكي المعروض على الكونغرس، «سيُخرج الجبهة من مظلة التفاوض الأممي، ويضعها موضع المسؤولية الجنائية، ويُبرز الجزائر باعتبارها الطرف الحقيقي الذي يدير الملف».

العدالة المنتظرة

إن «صرخات ناجين من جحيم إرهاب البوليساريو» ليست مجرد بكائيات على الماضي، بل هي صرخة عدالة متأخرة، تحمل في طياتها دعوة صريحة إلى فتح ملفات الجرائم المنسية، وكسر جدار الصمت الدولي حول الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها جبهة البوليساريو في حق مئات الضحايا المغاربة.

لقد آن الأوان لوضع حد لسياسة الإفلات من العقاب، ومساءلة الجناة، وإعادة الاعتبار للضحايا، عبر تصنيف الجبهة في موقعها الحقيقي ضمن لائحة التنظيمات الإرهابية، لا فقط من أجل محاسبة الماضي، بل لحماية المستقبل من تكرار الفظائع ذاتها تحت شعارات زائفة.

تحرير من طرف ميلود الشلح
في 10/08/2025 على الساعة 10:02