الصحراء: بين المناورات والذعر.. الجزائر والبوليساريو تُفبركان «مقترحا موسعا»

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون وزعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي

في 21/10/2025 على الساعة 14:38

تحت ضغط اقتراب تصويت يُتوقع أن يكون تاريخياً في مجلس الأمن، تحاول ميليشيا البوليساريو الانفصالية التظاهر بالديبلوماسية عبر إعلانها عن «مقترح موسع لحل سياسي» للنزاع. غير أن لا المناورات الشكلية ولا التصريحات المرتبكة الصادرة من الجزائر قادرة على مجاراة قوة المبادرة المغربية للحكم الذاتي، التي كرّست تفوقها وأقصت البوليساريو وراعيتها إلى مرتبة الكومبارس المذعور أمام مسار قضية لم يعودا يملكان زمامها.

إلى وقت قريب، كانت جبهة بوليساريو الانفصالية، المُدارة عن بُعد من الجزائر، تُصرّ على «الكفاح المسلح» وخيار الاستفتاء الذي وُلد ميتًا، باعتباره السبيل الوحيد لحل نزاع الصحراء. اليوم، يبدو أن الميليشيا التي تمثل مجرد أداة بيد الجار الشرقي، غيّرت لهجتها وهي تترنح أمام لحظة مفصلية. فمع اقتراب موعد تصويت مرتقب يوصف بـ« التاريخي » في مجلس الأمن، جاء مشروع القرار، الذي تقدمت به الولايات المتحدة « صاحبة القلم »، ليكرّس بشكل حصري مبادرة الحكم الذاتي المغربية في الأقاليم الجنوبية كقاعدة وحيدة وجدّية لأي حل مستقبلي. أمام هذا الواقع، وجد أتباع بن بطوش أنفسهم في مأزق، يتخبطون في محاولات بائسة لإنقاذ الموقف.

فقد بعثت الميليشيا، أمس الإثنين، وبإيعاز من مموليها في الجزائر، رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، تضمّ ما أطلقت عليه بتفاخر «مقترحاً موسعاً لحل سياسي متبادل القبول، يضمن تقرير المصير للشعب الصحراوي».

وجاء في بيان للبوليساريو، نقلته بإسهاب وسائل الإعلام الجزائرية — بينما غاب بشكل لافت عن منصات الجبهة الرسمية، وهذا بحد ذاته دلالة — أن الأمر يتعلق بـ«بادرة حسن نية» واستجابة لقرارات مجلس الأمن التي تدعو الأطراف إلى توضيح مواقفها من أجل المضي نحو حل سياسي.

غير أن الجوهر لم يتغير: الخطاب نفسه، والمضمون ذاته، بل لا جديد تحت شمس تندوف. فالمحتوى يعيد تدوير المواقف القديمة نفسها، وإن بصياغة أكثر ليونة، توحي بأن البوليساريو مستعدة اليوم لـ« تقاسم تكاليف السلام مع الطرف الآخر« ، أي مع المغرب. مناورة ديبلوماسية إضافية لا أكثر، هدفها حفظ ماء الوجه قبل الصفعة المنتظرة في نيويورك.

مع ذلك، لا يزال جوهر موقف جبهة البوليساريو راسخا لا يتزحزح. لا يزال اقتراحها يقتصر على استفتاء « تشرف عليه الأمم المتحدة » و... « الاتحاد الإفريقي »، الذي تم تجريده من هذا الملف منذ زمن بعيد. استفتاء وهمي تم شطبه منذ سنوات طويلة من أجندة قرارات مجلس الأمن المتعاقبة. ولإضفاء طابع ساخر على المشهد، تزعم الميليشيا اليوم أنها منفتحة على «التفاوض مع المملكة المغربية بغية إقامة علاقات استراتيجية ومتكافئة بين البلدين». شكرا على الكرم، إذ يبدو أن النفاق السياسي بات يتزيّن هذه المرة بطلاء «حسن الجوار». مشهد يثير السخرية فعلاً: فبعد أن لعبت طويلاً دور المحرّض، بدأت البوليساريو تصدق خرافاتها الخاصة.

وإذا كانت مناورة الجزائر، عبر واجهتها الانفصالية، لا تحمل أي جوهر جديد، فإن «بادرة حسن النية» التي تدّعيها تكشف في المقابل عن تحول واضح في النغمة. فبيانات «الانتصارات العسكرية» الوهمية تفسح المجال الآن لخطاب يحاول الظهور بمظهر ديبلوماسي. أما التهديدات بإحراق المنطقة باسم «قضية» فقدت كل صدقيتها، فتتحول إلى ما يشبه انفتاحاً مصطنعاً. لكن لا مجال للخطأ في القراءة: النظام الجزائري وذراعه الانفصالية يعيشان حالة ذعر حقيقية، ويحاولان يائسين التقاط بقايا بساطٍ سحبه المغرب من تحتهما بمهارة وحزم.

ما تسميه البوليساريو «مقترحا لإرساء السلام والاستقرار الإقليميين» ليس في الواقع سوى محاولة مرتجلة لملء فراغ ملفّ بات إغلاقه وشيكا. فهذه المبادرة تأتي متأخرة جداً، قبل أيام قليلة فقط من تصويت مجلس الأمن على قرار جديد يُكرّس مبادرة الحكم الذاتي في الصحراء تحت السيادة المغربية بوصفها «الحل الوحيد» للنزاع و« الأساس الأكثر جدية ومصداقية» لأي مفاوضات مقبلة.وفي هذا الإطار، يُفترض أن تُستأنف المباحثات «دون تأخير» بين الأطراف المعنية — المغرب، الجزائر، موريتانيا، والبوليساريو — على أساس المقترح المغربي للحكم الذاتي كـ«الإطار الوحيد» للنقاش. وتقود الولايات المتحدة، التي أطلقت هذه الدينامية الجديدة منذ إدارة ترامب، هذه الجهود معلنة استعدادها لاستضافة هذه المفاوضات. وهي رسالة دبلوماسية مهذبة لكنها حازمة، مفادها أن صفحة الابتزاز الانفصالي شارفت على الطيّ نهائياً.

كما ينصّ مشروع القرار الأممي المرتقب على تمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة في الصحراء (المينورسو) لمدة ثلاثة أشهر إضافية فقط، أي حتى 31 يناير 2026. وبعد ذلك، سيتم النظر في تعديل مهامها أو إنهائها تبعاً لتقدّم المفاوضات. بمعنى آخر، لن يكون هناك أي تجديد تلقائي جديد للبعثة بصيغتها الحالية. الرسالة واضحة: الأمم المتحدة تتهيأ لإنهاء آلية أصبحت متقادمة، في الوقت الذي تفرض فيه المبادرة المغربية للحكم الذاتي نفسها كخيار وحيد واقعي لإنهاء نزاع مفتعل طال أمده.

في المقابل، يبدو أن ما تسميه البوليساريو — أو بالأحرى النظام الجزائري — «مقترحاً موسعاً» لا يزن شيئاً أمام القرار الأممي المرتقب ولا أمام النجاح الكبير الذي حققه المقترح المغربي على الساحة الدولية. فثلاثة من الأعضاء الدائمين الخمسة في مجلس الأمن — الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة — يعلنون بوضوح دعمهم لسيادة المغرب على الصحراء.

كما أن إسبانيا، القوة الاستعمارية السابقة، تبنت موقفاً إيجابياً ثابتاً إلى جانب الرباط. حتى روسيا والصين، اللتان طالما اتسم موقفهما بالحذر، تبدوان منفتحتين على مقاربة جديدة تقوم على أساس حلّ سياسي مبني على الحكم الذاتي.

وتأتي الزيارة الرسمية التي قام بها وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة إلى موسكو في وقت يستعد فيه مجلس الأمن للتصويت، لتؤكد المكانة المحورية الجديدة التي بات يحتلها المغرب في معادلات المنطقة.

البيان الذي أمْلتْه الجزائر على البوليساريو لم يخلُ من هجوم على مبادرة الحكم الذاتي وعلى ما تسميه «الحلول المفروضة من جانب واحد»، في تكرار حرفي تقريباً للعبارات التي استخدمها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في خطابه الأخير ضد المغرب. ففي التاسع من أكتوبر، وأمام كبار ضباط المؤسسة العسكرية التي تتحكم فعلياً في الدولة، حرص تبون على ترديد شعاراته المعهودة، متعهداً بأن الجزائر «لن تتخلى أبداً عن دعمها» للانفصاليين الصحراويين، ومؤكداً أنه ما دام حياً «فلن يُفرض عليهم أي حل لا يوافقون عليه». التشابه في الخطاب لا يترك مجالاً للصدفة.

اليوم، ومع رسم ملامح المرحلة المقبلة في ملف الصحراء — قرار أممي جديد ومفاوضات مرتقبة على أساس وحيد هو الحكم الذاتي — يبدو أن النظام الجزائري وذراعه الانفصالية يحاولان تبنّي لغة جديدة سيكررانها بلا توقف في محاولة لتأخير ما لا يمكن تأجيله.

فهل تكفي هذه العبارات لتجنب المشاركة في المباحثات التي ستُفرض خلال فترة وجيزة كما تنصّ عليها مسودة القرار الجديد؟ أو لتفادي الاتفاق الذي يُتوقّع أن ترعاه إدارة ترامب بين المغرب والجزائر خلال ستين يوماً؟ الجواب الأقرب: بالتأكيد لا.

تحرير من طرف طارق قطاب
في 21/10/2025 على الساعة 14:38