أغلق الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، هذه المرة وبشكل نهائي، الباب أمام عودة محتملة للعلاقات الطبيعية المغربية-الجزائرية. بالنسبة له، فإن هذه العلاقات «وصلت إلى نقطة اللاعودة». بطبيعة الحال، لم يشرح في أي وقت أسباب تدهور العلاقات بين البلدين المغاربيين الجاريين، بل ذهب إلى حد الإيحاء بأن المغرب هو المسؤول عن هذا الوضع.
وهكذا وضع تبون الجزائر في موقف الضحية، معلنا أنها اكتفت بـ «رد الفعل» فقط، دون تحديد الأفعال (غير الموجودة) التي تسببت في رد الفعل المذكور من بلده. آه نعم، ربما حرائق الغابات! كما أكد تبون إنه «يأسف لأن العلاقات بين البلدين الجارين وصلت إلى هذه الدرجة» من القطيعة التامة.
بعد أن ذكر عشرات المرات بالوساطات الوهمية التي سارع تبون أو رئيس الدبلوماسية المقال، لعمامرة، إلى نفيها، ها قد حان وقت الندم. هل لأن الرئيس الجزائري يتكلم في قناة لها جمهور عريض في العالم العربي لذلك فضل الحديث عن الجوار والندم؟ على أية حال، فإن هذه المحاولة لتخفيف العداء المرضي لنظام الجزائر تجاه المغاربة هي مجرد خدعة لا يمكنها أن تنطلي على أحد في العالم العربي.
فالاستقبال، الذي لا يليق البتة بدولة وقيم الإسلام، الذي استقبل به ناصر بوريطة خلال قمة جامعة الدول العربية في الجزائر، والرقابة على نتائج أسود الأطلس خلال مونديال قطر صدم الشعوب العربية، وهكذا رأى عشرات الملايين من العرب مدى الكراهية التي تكنها الطغمة العسكرية الجزائرية للمملكة المغربية.
إن العداء المرضي للجهاز السياسي-العسكري للوحدة الترابية للمغرب طال أثرة حتى على البلدان المجاورة الأخرى. فقد تدهورت العلاقات الجزائرية الإسبانية بدورها، وذلك منذ أن قررت مدريد اعتبار مخطط الحكم الذاتي المغربي للصحراء هو الحل الوحيد ذو المصداقية لتسوية نهائية لهذا الصراع المفتعل.
وفي هذا الصدد، اتهم تبون حكومة بيدرو سانشيز بأنها «اتخذت من جانب واحد قرارا يشكل تحيزا في ملف الصحراء »، من خلال ما وصفه بـ «السلوك السري الذي لا يعفيها من مسؤوليتها».
في الواقع، لقد شكل قرار إسبانيا، باعتبارها القوة الاستعمارية السابقة للصحراء، بدعم مغربية الصحراء ضربة قاضية للأطروحات الجزائرية التي تدعي بأن الأقاليم الجنوبية للمغرب لا تزال تنتظر ما يسمى «إنهاء الاستعمار».
على الرغم من استدعاء سفيرها في مدريد، الذي ترك منصبه منذ عام، فإن الجزائر، خوفًا من العقوبات الأوروبية ولأنها لا تملك قبل كل شيء أي بديل لتصدير غازها إلى شبه الجزيرة الإيبيرية، حافظت على صادراتها من الغاز الطبيعي لإسبانيا.
أما بالنسبة لفرنسا، فقد أعلن تبون، رغم اعترافه بـ«اضطرابات» خطيرة في العلاقات الثنائية، أن السفير الجزائري في باريس سيعود إلى منصبه «في الأيام المقبلة»، بعد شهر من استدعائه عقب قضية الصحفية الجزائرية-الفرنسية، أميرة بوراوي، التي تم تهريبها إلى فرنسا انطلاقا من تونس.
بالنظر إلى ردة الفعل الهستيرية للنظام الجزائري، عقب ما أسماه بـ«التهريب» وبالنظر إلى الشتائم ضد المخابرات الفرنسية، يمكن للمرء أن يطرح تساؤلا مشروعا بخصوص ما حصل عليه النظام الجزائري من فرنسا لإعادة سفيره إلى باريس. اعتذار؟ ندم؟ ترحيل أميرة بوراوي إلى الجزائر؟ لا شيء من هذا القبيل.
من الواضح أن الفرنسيين يعرفون جيدا الكهول الذين يحكمون في الجزائر بما يكفي للسماح لهم بالصياح لمدة أسبوع قبل تطبيع العلاقات مرة أخرى. تشبه واقعة بوراوي بواقعة أخرى، حيث استدعى تبون سفيره السابق لدى فرنسا عندما شكك الرئيس ماكرون في وجود أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي. مرة أخرى، لم يحصل النظام على شيء ولكنه اضطر إلى إعادة سفيره المعتمد في فرنسا. وعلى العكس من ذلك، امتدح الرئيس الجزائر العلاقات بين إيطاليا والجزائر، حيث تتدفق «الكهرباء والغاز والهيدروجين» بسخاء باتجاه أوروبا. إن غذا لناظره قريب.
وبالعودة إلى تصريحاته الإعلامية الشهر الماضي حول الصراع الروسي-الأوكراني، أكد الرئيس الجزائري أن بلاده «قادرة على أن تلعب دور الوسيط» في هذه الأزمة، مضيفا: «نحن من الدول القليلة التي تتمتع بمصداقية كافية للقيام بها». من الواضح أن هذا سيكون أحد أهداف زيارته لروسيا التي يقول إنها «مازالت قائمة» في ماي المقبل. زيارة محفوفة بالمخاطر بالنسبة لتبون منذ أن أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف ضد فلاديمير بوتين بتهمة ارتكاب جرائم حرب.