لم يكن الأمر يحتاج سوى إلى جملة واحدة بشأن الصحراء، حتى تنقلب الجزائر بشكل مفاجئ على من كانت تدللها وتعتبرها صوتها الرسمي في فرنسا: ريما حسن. ففي 21 غشت الماضي، صرحت على حسابها بـ« إنستغرام »: « يجب فعلا التوقف عن مقارنة فلسطين بقضية الصحراء ». عبارة أحدثت زلزالا سياسيا في الجزائر.

ريما حسن، التي جسدت المواقف الأكثر تشددا داخل حزب راديكالي أصلا، فرضت نفسها كصوت أساسي للقضية الفلسطينية في باريس وبروكسيل. لكنها كانت أيضا، وبالدرجة الأولى، لسان حال الطرح الجزائري بخصوص الصحراء، حتى جعلت من الانفصال أطروحة شخصية لها. والدليل أنها، خلال الحملة الانتخابية الأوروبية في 9 يونيو 2024، ظهرت في باريس إلى جانب عناصر من جبهة البوليساريو، مرتدية الكوفية الفلسطينية، في موقف منحاز بشكل واضح. إلا أن كل ذلك يبدو اليوم جزءا من الماضي.

تصريحاتها الأخيرة الداعية إلى فصل القضية الفلسطينية عن الأطروحة الانفصالية، جاءت بمثابة قطيعة حاسمة. فقد وقعت حسن على حكم إعدامها السياسي في نظر نظام اجتهدت طويلا في كسب وده. فبعد انتخابها نائبة أوروبية في يوليوز 2024، اختارت الجزائر كوجهة لأول زيارة رسمية لها، مرددة شعارا يعود إلى ستينيات القرن الماضي: « مكة الثوار والحرية كانت وستبقى الجزائر ». لكن « النجمة » التي كانت بالأمس مرفوعة على الأكتاف، تحولت اليوم إلى « عدوة » يتناوب على مهاجمتها النظام الجزائري وإعلامه وأذرعه الرقمية.
أما « جريمتها » الكبرى، فجاءت عقب تصريح آخر أدلت به يوم 20 غشت، عبر المنصة نفسها، حيث قدمت قراءة مغايرة تماما لقضية الصحراء. فقد أقرت بأن قبائل الصحراء العربية والأمازيغية كانت، قبل الاستعمار، مرتبطة بالمملكة الشريفة وبالإمبراطورية المرابطية (التي شملت موريتانيا الحالية)، عبر روابط « ثقافية ودينية واقتصادية ».

وأضافت أن أكثر من 300 ألف مغربي ومغربية شاركوا طواعية ودون سلاح في مسيرة « سلمية » من أجل الصحراء، مشيرة إلى أن خيار الاستفتاء يطرح « إشكالا »، بالنظر إلى أنه « حتى اليوم لا يوجد توافق حول لائحة الناخبين». كما لفتت الانتباه إلى أن المغرب استثمر، في السنوات الأخيرة، ما يقارب عشرة مليارات يورو في هذا الإقليم، شملت خدمات عمومية، مدارس، جامعة، طاقات متجددة، بنى تحتية وسياحة.

إذا كانت ريما حسن، عند كل جدال، تستحضر أحياناً رواية البوليساريو وأحياناً أخرى رواية راعيها الجزائري، فإن محاولتها الظاهرية لاعتماد قدر من الموضوعية كلفتها اليوم الحرق على مذبح نظام كانت تدافع عنه بشراسة حتى الأمس القريب. ما يثير جنون الجزائر ليس مجرد تذكيرها بمعطيات واقعية، بل الخط الأحمر الذي تجرأت على رسمه: التمييز، الفصل، والتدقيق في الفهم. فلسطين شيء، والصحراء شيء آخر. جريمة لا تُغتفر.
في خضم العاصفة، تحركت الأبواق المعتادة للنظام. موقع Algérie Patriotique، لسان حال جناح من الجنرالات، رفع التهمة القصوى: ريما حسن «تعمل لصالح الأجهزة المغربية».
وأضاف، في مقارنة مبالغ فيها حدّ الابتذال: «الأمر أشبه بأن يبرر صهيوني غزو الأراضي الفلسطينية على حساب الحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني». الهجوم لم يتوقف عندها، بل طال أيضاً «رئيسها المغربي» – والمقصود جان لوك ميلونشون – الذي وُضع هو وحزب فرنسا الأبية كله في مرمى النيران.
الرسالة واضحة: حتى أكثر الفرنسيين قرباً من الجزائر لا يَسلمون من الشتائم بمجرد أن يحيدوا قيد أنملة عن الخط المرسوم. الخطاب الدعائي جاهز: «تصريح ريما حسن الأخير ليس بريئاً، لقد كُلّفت بالحديث إلى الجزائريين. كل السيرك الموالي للجزائر داخل LFI له هدف واحد: استمالة الجالية الجزائرية في فرنسا، وفي الوقت نفسه فرض أجندة سياسية محسوبة. الرسالة جلية: نحن ندافع عن الجزائر في الإعلام والبرلمان، لكن الصحراء الغربية مغربية».
أما موقع La Patrie News فذهب أبعد حين كتب أن «ميلونشون يضحي بملهمته لاسترضاء المخزن (وبالطبع الكيان الإسرائيلي)».
وأضاف: «لا ننسى أن الرجل وُلد في المغرب». لازمة تتكرر باستمرار في صفحات الإعلام العسكري. وإذا لم يكن Algérie Patriotique، فإن Algérie Gate يتولى المهمة، ناعتاً النائبة بـ« الحرباء« ، وهي إهانة قصوى في الثقافة العربية، ومتهماً إياها بـ« خيانة » القضية… الصحراوية طبعاً.
على شبكات التواصل الاجتماعي، بدا المشهد أكثر شراسة. «الذباب الإلكتروني» الجزائري، الذي يُعد الإنجاز الوحيد الملموس لثنائي تبون-شنقريحة، أطلق العنان لسمومه. فبالنسبة لهم، تدين ريما حسن بكل شيء للجزائر: مسيرتها، صعودها، حتى شهرتها. ويحذرون « الجاحدة » التي «تنسى أن الجالية الجزائرية هي التي دفعت بهذا الفراغ إلى القمة». الشتائم تتضاعف، والتوعد يشتد، حتى وصل إلى التهديد برميها « بقلم واحد » في «مجاري باريس لتلتحق بفئران العاصمة الفرنسية». قمة الانحطاط. كما لوّح النظام أيضاً بفضح « الغسيل الوسخ » لمن كان يرعاها بنفسه، في رسالة صريحة: في الجزائر، حتى الأصوات المخالفة لا يُسمح لها بالكلام إلا ما دامت تردد بالحرف الواحد كاتيشيزم السلطة.
أسطورة مؤسسة
دون أن تدري، ارتكبت ريما حسن ما لا يُغتفر. لقد نسفت عقوداً من السردية الجزائرية التي دأبت على الإيحاء بأن فلسطين و« الجمهورية الصحراوية » الوهمية يجمعهما مصير مشترك. لقد حطمت الأسطورة المؤسسة، تلك التي رددها النظام حتى العبث، بمساواة نضال مشروع من أجل دولة فلسطينية مع مسرحية هزلية لما يسمى « كفاح » صحراوي لإقامة جمهورية لم توجد يوماً إلا في مخيلة صانعيها. هذه المناورة راسخة في جينات النظام الجزائري، تعود إلى عهد هواري بومدين، الذي أمر، في خطوة بالغة السخرية، بنسخ علم فلسطين لصنع راية البوليساريو، مع إضافة وحيدة: الهلال والنجمة المأخوذين من العلم الجزائري.
ومنذ ذلك الحين لم يتغير شيء، سوى أن القضية الفلسطينية ظلت حاضرة على الساحة الدولية، بينما بقيت بروباغندا «حق تقرير المصير للشعب الصحراوي» مجرد صدى باهت في بيانات بيروقراطيي النظام.
في الواقع، « جريمة » ريما حسن لم تكن اتخاذ موقف، بل كسر ديكور ورقي ظلت الجزائر ترفعه لعقود. بتمييزها بين فلسطين والصحراء، دمرت الوهم الذي بُني بعناية حول تشابه تاريخي وأخلاقي لم يكن له أي أساس. ومنذ ذلك الحين، لم تعد الخدعة تقنع أحداً. فإذا كانت حتى ريما حسن نفسها قد تجرأت على التشكيك فيه، فهذا يعني أن الأسطورة شاخت وفقدت صلاحيتها.
لكن لا ينبغي أن يُخطئ المرء. بين فلسطين و« الجمهورية الصحراوية » الوهمية، اختارت الجزائر منذ زمن بعيد. القضية الفلسطينية لم تكن سوى ذريعة، أو مشهداً خلفياً، لتغطية هوس النظام بإقامة دولة صحراوية مستحيلة. وكما أشار تحليل لمجلة لوبوان بعنوان «معركة الجزائر (الخاسرة) لريما حسن»: « بين الصحراء وغزة، للجزائر أولويات استراتيجية لا تتقاطع مع الأولويات التجميلية للقضية الفلسطينية التي تدافع عنها ريما حسن ».
هنا يكمن خطأُ نائبة «فرنسا الأبية» الأكبر: اعتقادُها أنّ فلسطين كانت فعلًا في صميم انشغالات الجزائر. والحال أنّها ليست، في منظور النظام، سوى أداة وزرّ إلهاء لتهدئة الشارع الغاضب، أو خرقة تُلوَّح بها في مجلس الأمن، لا أكثر.
أمّا خطؤها الثاني، فظنُّها أنّ الولاء للجزائر قابلٌ للمواءمة أو التفاوض أو التلطيف؛ وهمٌ قاتل. وكما تذكّر مجلة «لو بوان»: « الجزائر تطلب خضوعا كاملا بلا استثناء. مكة الثوار هذه تطالب بولاء مطلق، لا مجرد تعاطف فكري ». الرعاية الجزائرية لها ثمن: خضوع كلي. وأي زلة تعني قطع الدعم، إطلاق العنان للآلة الإعلامية، وتجييش الجيوش الرقمية على شبكات التواصل. وهو ما اكتشفته ريما حسن على جلدها.




