المؤرخ الفرنسي برنارد لوغان يكتب: مؤتمر الصومام.. أو ما كان يمكن أن تكون عليه جزائر أخرى

Bernard Lugan.

المؤرخ الفرنسي برنارد لوغان

في 29/07/2025 على الساعة 11:00

مقال رأيبعد عام من انعقاده، وتحديدا في غشت 1957، أُعيد النظر كليا في مؤتمر الصومام، حيث تم التخلي عن مبدأ أولوية السياسي على العسكري، وأولوية الداخل على الخارج. وقد اعتُبر التوجه العلماني لعبان رمضان ضربا من البربرية المتنكرة للإسلام، فتم اتخاذ قرار تصفيته جسديا، وتم اغتياله بالفعل يوم 27 دجنبر 1957 في مدينة تطوان، ثم محي اسمه من الذاكرة الوطنية الجزائرية.

لقد حال فشل مؤتمر الصومام، الذي كان من شأن توصياته أن تفتح الطريق أمام ميلاد جزائر مستقبلية، بدلا من الانغلاق في ماض معاد يُعاد كتابته مرارا وتكرارا، دون تحقيق تنمية منسجمة في منطقة المغرب الكبير.

في أواخر شهر غشت من سنة 1956، انعقد في دوار إغبال، بوادي الصومام بمنطقة القبائل، مؤتمر للمجاهدين، بدعوة من المناضل القبائلي رمضان عبان. وقد جمع هذا المؤتمر قادة أربع من الولايات الخمس التابعة للداخل، بهدف إرساء تنسيق مشترك. أما ولاية الأوراس-نمامشة، فلم تكن ممثَّلة في المؤتمر، نظراً لانشغالها آنذاك بصراعات وخلافات داخلية.

شهد هذا المؤتمر اتخاذ أربعة قرارات كبرى رسمت التوجه الذي أراده المقاتلون للجزائر المستقلة مستقبلا:

  1. أولوية السياسي على العسكري؛
  2. أولوية الداخل على الخارج؛
  3. رفض أي مشروع ثيوقراطي إسلامي؛
  4. رفض التبعية لأي دولة أجنبية، إذ لم يكن للحركة انتماء « لا إلى القاهرة، ولا إلى لندن، ولا إلى موسكو، ولا إلى واشنطن ».

وقد فجّر انعقاد المؤتمر حربا أهلية داخل التيار الوطني، حيث اعتبر « الخارجيون »، أي من لم يكونوا في الميدان، المؤتمر محاولة من القبائليين للسيطرة على السلطة. وكان أشد المعارضين أحمد بن بلة، الذي كان حينها في القاهرة، حيث وجه ثلاثة انتقادات رئيسية للمشاركين في المؤتمر:

  1. المؤتمر غير تمثيلي، بسبب غياب ممثلين عن منطقة وهران، الأوراس النمامشة، والوفد الخارجي؛
  2. رفض تام لمبدأ أولوية السياسي على العسكري، والداخل على الخارج؛
  3. معارضة للعلمانية التي أظهرها المؤتمِرون، مع تأكيده على الطابع الإسلامي لمؤسسات الدولة الجزائرية المستقبلية.

اتهم بن بلة عبان رمضان ورفاقه بعدم امتلاكهم لأية شرعية، لأنهم لم يشاركوا في تفجير ثورة نوفمبر 1954... لكن الواقع الميداني كان يقول إنهم من خاضوا الحرب فعليا منذ ذلك التاريخ، على عكس « المختبئين » في القاهرة والمغرب وتونس.

وفي غشت 1957، خلال اجتماع المجلس الوطني للثورة الجزائرية CNRA)، أُلغي العمل بمخرجات مؤتمر الصومام، وتم إسقاط مبدأي أولوية السياسي على العسكري، والداخل على الخارج. واعتُبرت علمانية عبان رمضان تعبيرا عن نزعة بربرية مناهضة للإسلام، فصدر قرار بتصفيته، وتم اغتياله في تطوان يوم 27 دجنبر 1957، ومسح اسمه من الذاكرة الرسمية الجزائرية.

لم تقف التصفية عنده؛ إذ جرى لاحقًا نصب كمين للقائد عميروش في 28 مارس 1959، استنادا إلى معلومات سرّبت إلى الجيش الفرنسي، وذلك تمهيدا لانقلاب 1962.

«المؤرخون الجزائريون على دراية تامة بهذه الحقائق، لكنهم ممنوعون من الخوض فيها، تحت طائلة تهمة الخيانة... والسجن، كما حصل مع بوعلام صنصال»

—  المؤرخ الفرنسي برنارد لوغان

وقد نفّذ ذلك الانقلاب جيش الحدود، «جيش التحرير الوطني» (ALN)، بقيادة العقيد هواري بومدين منذ سنة 1960، وهو جيش ظل سليما لأنه كان متمركزا في تونس والمغرب، ولم يخض أي معركة ضد الفرنسيين منذ هزائمه الدامية في أبريل 1958 ونونبر 1959 على مستوى الحاجز التونسي. انقلب قادته على الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية (GPRA) وسحقوا مقاومة المجاهدين، ليُطوى بذلك نهائيًا فصل مؤتمر الصومام، ويصل إلى الحكم ضباط لم تكن لهم في أحسن الأحوال إلا « مآثر هامشية » في المعارك.

وقد علّق رئيس الحكومة المؤقتة، بن يوسف بن خدة، على ذلك بالقول:«بعض الضباط الذين عاشوا في الخارج لم يعرفوا الحرب الثورية مثل إخوانهم في الجبال...».

المؤرخون الجزائريون على دراية تامة بهذه الحقائق، لكنهم ممنوعون من الخوض فيها، تحت طائلة تهمة الخيانة... والسجن، كما حصل مع بوعلام صنصال.

تحرير من طرف برنارد لوغان
في 29/07/2025 على الساعة 11:00