أعلنت الشرطة الجزائرية، من خلال بيان نشر يوم 13 أكتوبر، عن اعتقال 17 "إرهابيا" مشتبها بهم، يزعم أنهم ينتمون إلى "كوموندو" مسلح تابع لحركة تقرير المصير في منطقة القبايل (الماك)، ومدعوم من قبل المغرب وإسرائيل.
ويتعلق الأمر بالنسبة للأجهزة الجزائرية بـ"تأكيد" بعض الاتهامات التي وجهها الرئيس عبد المجيد تبون خلال مقابلة تلفزيونية أذيعت قبل ذلك بثلاثة أيام، أي يوم الأحد 10 أكتوبر. وكان الرئيس الجزائري قد أكد، خلال هذه المقابلة، أن بلاده لديها "أدلة دامغة، بالصورة والصوت" من شأنها أن تظهر "تورط المغرب" في الأعمال التخريبية المزعومة للماك في منطقة القبايل (حرائق الغابات، قتل جمال بن اسماعيل، التخطيط للقيام بهجمات، الخ).
غير أن المخابرات الجزائرية، بسبب عدم وجود دلائل ملموسة لتأكيد هذه الخزعبلات، أظهرت مرة أخرى عدم احترافيتها وافتقارها إلى المصداقية وعرت عدم براعتها في فن التلاعب، الذي أصبح جزء من سياسة النظام العسكري السياسي الذي يدير البلاد.
"إرهابيو الماك" الثلاث، الذين "قدموا اعترافاتهم" أمام كاميرات التلفزيون الجزائري يوم 13 أكتوبر، ليسوا في نهاية المطاف أشخاصا غير معروفين ولا إرهابيين ولا ممثلين، لكنهم عملاء يعملون لصالح المخابرات الجزائرية.
وهكذا، فإن الإمام مخلوف الذي قدم على أنه أخطر عضو بين "إرهابيي الماك" والذي يزعم أنه عثر لديه على ترسانة من الأسلحة الحربية التي عرضها في الشريط، هو في حقيقة الأمر ناشط معروف داخل التجمع الوطني الديمقراطي، وهو حزب الوزير الأول الأسبق أحمد أويحيى، الذي يقبع حاليا داخل السجن. ومع ذلك، فقد كذب مخلوف، الذي ترشح للانتخابات المحلية في منطقة القبايل في عام 2012 تحت راية التجمع الوطني الديمقراطي، من خلال ادعائه أنه ناشط في حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، وهو حزب أمازيغي معارض حيث تعرف، وهذه كذبة أخرى، برئيس الماك، فرحات مهني. لكن سرعان من تم اكتشاف انتماء مخلوف إلى التجمع الوطني الديمقراطي، وهو حزب أنشأته السلطة في الجزائر. ماذا الذي يخفيه هذا الخلط المتعمد بين حزب النظام (التجمع الوطني الديمقراطي) والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية؟
الشاهد الآخر في الشريط سيئ الإخراج الذي بثه التلفزيون الجزائري العمومي يدعى شارف طاهر. أظهر الصحافي الجزائري المنفي في فرنسا هشام عبود أن هذا الإرهابي المزعوم هو في الواقع ضابط أمن في قنصلية جزائرية في ألمانيا كما تظهر ذلك صوره على مواقع التواصل الاجتماعي. وأكد هشام عبود أن شارف طاهر ناشط مزعوم في حركة الماك وبأنه في الحقيقة هو عميل للاستخبارات الجزائري في ألمانيا.
وأخيرا، كمال شتي، وهو تاجر صغير وفقا لما كشفه أعضاء في شبكات التواصل الاجتماعي، هو ببساطة الابن الأكبر في عائلة اثنان من أعضائها يعملون في الأجهزة الأمنية، أحدهما يعمل في المخابرات. أما باقي الأعضاء الـ14 الآخرين في هذه "المجموعة الإرهابية"، فلم يتم عرضهم قط.
لا بد من القول إن هذه هي المرة الرابعة منذ بداية هذا العام التي يفبرك فيها النظام هذا النوع من "السيناريو" المكشوف، في محاولة يائسة لترهيب الجزائريين وثنيهم عن إحياء الحراك، هذا الاحتجاج الشعبي الذي يطالب بإنهاء النظام السياسي العسكري الذي يحكم البلاد منذ استقلالها.
في الواقع، لقد شعر هذا النظام السياسي العسكري بالذعر بعد العودة القوية للحراك في فبراير الماضي، حيث قام، بالإضافة إلى القمع البوليسي، بالحظر التام للمظاهرات، والتلويح بتهديدات كاذبة حول قيام مناضلي الحراك، وفي ما بعد مناضلي الماك بعمليات مسلحة تستهدف أمن البلاد. وقد ولدت "الدحدوحية" كما يسميها الجزائريون يوم الأربعاء 17 فبراير 2021، عندما بث التلفزيون الرسمي الجزائري في ذلك اليوم اعترافات كاذبة ومزعومة لإرهابي سابق يدعى أبو الدحداح. وزعم الأخير أن نشطاء الحراك تقربوا منهم من أجل استلهام تجربته كعضو سابق في جماعات الإسلام السياسي والتدريب على استعمال الأسلحة بهدف تنفيذ عمليات مسلحة ضد السلطة في الجزائر العاصمة.
كما أنه يوم 25 أبريل الماضي، وفي ذروة احتجاجات الحراك الأسبوعية، أصدرت وزارة الدفاع بيانا يشير فيه بشكل غامض إلى "مؤامرة خطيرة تستهدف الجزائر من جانب الماك". وفي اليوم التالي تم بث "اعترافات" جديدة على التلفزيون الجزائري. وزعم نور الدين هدار، الذي كان قد خرج من السجن بعد قضائه لعقوبة بتهمة تهريب المخدرات وأعمال إجرامية أخرى، أنه باع أسلحة لحركة الماك، التي "كانت تخطط لشن هجمات".
في 17 غشت، جاء الدور على مجموعة من الأشخاص الذين اعتقلوا على خلفية اغتيال جمال بن اسماعيل، خلال حرائق الغابات في منطقة القبائل، للإدلاء بمزيد من الاعترافات من أجل "الاعتراف" بأنهم تصرفوا بأوامر من حركة المالك، حركة كان النظام الجزائري قد صنفها قبل ذلك بقليل على أنها "جماعة إرهابية". بل إنه أصدر مذكرة توقيف دولية بحق رئيسها فرحات مهني. وتجدر الإشارة إلى أنه من بين قتلة جمال بن اسماعيل، تمكن مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي الجزائريون، وهم يتوفرون على أدلة دامغة، من كشف أحد العملاء السابقين للاستخبارات الجزائرية، ومقرب من الجنرال محمد مدين، المعروف باسم توفيق.
مرة أخرى، ثبت بوضوح أن المؤامرة التي تدعي الجزائر أنها تستهدفها من قبل من تسميهم "إرهابيو الماك"، بدعم من المغرب وإسرائيل، ليست في حقيقة الأمر إلا سيناريو سيئ الإخراج ومفبرك. هذه المهزلة المفضوحة، التي تهدف إلى صرف أنظار الشعب الجزائري عن صعوبة الحياة اليومية، انقلبت في الأخير على النظام الذي لا يمتلك حتى موهبة ابتكار سيناريوهات معقولة ومقبولة.