بث التليفزيون الجزائري الرسمي مساء أمس الأحد مقابلة جديدة مع الرئيس عبد المجيد تبون. تم انتظار هذه الخرجة الإعلامية بفارغ الصبر، بعد التصريحات الحادة التي أدلى بها الرئيس الفرنسي مؤخرا ضد النظام السياسي العسكري الجزائري. كان الجزائريون يتعطشون لمعرفة ما إذا كان نظامهم قادرا على اتخاذ نفس الإجراءات ضد فرنسا التي قررها، دون أدنى سبب، ضد المغرب (قطع العلاقات الدبلوماسية وحظر المجال الجوي على جميع الطائرات المغربية واحتمال إيقاف استخدام أنابيب الغاز الجزائر-المغرب-إسبانيا...).
وبنفس الطريقة التي فشل فيها المجلس الأعلى للأمن الجزائري، في اجتماعه الأخير يوم الخميس الماضي، في اتخاذ إجراءات مماثلة ضد فرنسا، اقتصر عبد المجيد تبون على التأكيد على أن السفير الجزائري في باريس يمكن أن يعود إلى منصبه إذا أظهرت فرنسا "الاحترام التام للجزائر"، لأنه، بحسب ما أكده، "قطع العلاقات الدبلوماسية ليس نهائيا أبدا".
وعلى الرغم من الإهانات التي وجهت لوزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان، الذي وصفه تبون بأنه كاذب كبير بشأن عدد الجزائريين الذين تريد فرنسا ترحيلهم إلى الجزائر، فإنه لم يقل أي شيء بشأن انتقادات ماكرون لـ"النظام السياسي العسكري" الجزائري "المتعب" بسبب الحراك الشعبي، ولكنه "قاس مع تبون"... بحسب تصريحات إيمانويل ماكرون. وقال تبون: هذه "كذبة كبيرة" و"كذبة القرن" بخصوص عدد الجزائريين الذين يتعين عليهم العودة من فرنسا إلى الجزائر والذين يتراوح عددهم، حسب قوله، 90 وليس 7000 شخص.
إذا كان عبد المجيد تبون مقلا ومتحفظا في تعليقاته ضد كلام الرئيس ماكرون، فإنه بالمقابل تحدث بعصبية عن المغرب. هل هو جنون؟ لكم الحكم. يشير تبون من حين لآخر في حواره إلى سؤال إيمانويل ماكرون المشروع حول وجود أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي وتزوير السلطة للتاريخ. بلا خجل، يقول رئيس الدولة "أكاذيب كبيرة"، وهو نفس التعبير الذي استخدمه في الحديث عن وزير الداخلية الفرنسي.
وهكذا، ومن أجل إثبات العمق التاريخي، أكد تبون أن الجزائر هي الدولة الثانية في العالم (بعد من؟) التي اعترفت باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية بتاريخ 4 يوليوز 1776. لتقديم الدليل على قدم العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية والجزائر، قال تبون دون أن يرف له جفن: "اذهبوا إلى متحف المجاهد لتفقد المسدسات التي قدمها جورج واشنطن للأمير عبد القادر". توفي جورج واشنطن عام 1799 وولد الأمير عبد القادر عام 1808، ولم يتمكن الرجلان من التعارف في العالم الدنيوي. تبون لا يأبه بذلك!
حماقة أخرى. ردا على سؤال حول تدهور القدرة الشرائية للجزائريين الذين يواجهون نقصا حادا في جميع المواد وزيادة صاروخية في أسعار المواد الأساسية، أشار تبون إلى من يسميهم مضاربين يتلاعب بهم، بحسب قوله، جماعات ضغط وقوى سياسية تخدم أجندات معينة. لقد أقسم مرتين في نفس المقابلة، أنه إذا تم تقديم أحد هؤلاء المضاربين إليه، فسيعطيه 30 عاما سجنا، أو حتى يحكم عليه بالإعدام. قانون في هذا الاتجاه (يحكم على المضاربين بالإعدام) جاهز أيضا وسيتم التصويت عليه يوم الأحد المقبل، بحسب قوله.
وعند سؤاله عن المغرب وعن مشروع تصنيع طائرات إسرائيلية بدون طيار من نوع "كاميكاز"، أزبد تبون وتوعد قائلا: " أقسم بالله كرئيس للجزائر من يعتدي على الجزائر لن نتوقف في محاربته وسيندم كثيرا". قبل أن يضيف على طريقة العصابات: "للي حَوّسْ علينا يلقانا!". وتابع عنترياته بالقول: "نعرف قيمة الحروب فنحن شعب مقاوم ونعرف قيمة الحرب والبارود". وقال مهددا: "نحن لا نبحث عن أحد ومن يبحث عنا يجدنا".
وأضاف تبون أن بلاده رفضت أي وساطة بين الجزائر والمغرب لأنها "لا تميز بين الجلاد والضحية، ولا بين المعتدي والمعتدى عليه". وواصل تبون عنترياته وتناقضاته من خلال التأكيد على أن "الجزائر، تاريخيا، لم تنتهك أبدا الوحدة الترابية للمغرب. فالمغرب هو الذي هاجمنا عام 1963 بدباباته وطائراته العمودية ووحدات النخبة، عندما لم يكن لدينا جيش في ذلك الوقت".
كان الشعب المغربي سيقدر أن الجزائر لم تمس أبدا الوحدة الترابية للمغرب، بينما تحشد جيشها وإمكانياتها المالية الضخمة وكل دبلوماسيتها لغرض وحيد هو فصل المملكة عن أقاليمها الجنوبية.
بل إن المغرب متهم بما هو أفظع. فقد قال تبون "كل عام أو عامين المغرب مذنب" بارتكاب عمل يقوض السيادة الجزائرية. وأضاف "تم إيواء الإرهابيين في فيلات بأكادير مزودين بحراس شخصيين وجوازات سفر دبلوماسية مغربية". وتطرق الرئيس الجزائري إلى قضية الصحراء المغربية، فأعاد ترديد نفس الخطاب الذي فرضه الجنرالات، وهو أن هذه القضية يجب أن "تحلها الأمم المتحدة، التي تتبع لها لجنة إنهاء الاستعمار". وأعرب عن ارتياحه لأن الولايات المتحدة رحبت بتعيين المبعوث الخاص الجديد للصحراء ستيفان دي ميستورا، لكنه اشتكى من أن دولة أخرى، وهي عضو دائم في مجلس الأمن، تعاكس الجزائر بشأن هذه القضية. وردا على سؤال عن هذا البلد أجاب: "إنه معروف".
يتعلق الأمر بفرنسا المتهمة، إلى جانب المغرب، بالوقوف وراء الحرائق التي اجتاحت غابات منطقة القبائل في غشت الماضي. وبحسب تبون، "تظهر صور الهواتف بشكل لا لبس فيه أن تعليمات مشعلي حرائق الغابات جاءت من باريس والرباط".
أظهر هذا الحوار التلفزيوني، المعدل عدة مرات والذي يبلغ 120 دقيقة، أن تبون مزور للتاريخ، مهووس بالفكر التأمري، ومريض بالفصام، وهي أوصاف لا تليق البتة برئيس دولة محترم. وهو بذلك يقدم دليلا صارخا على إفلاس الدولة الجزائرية وعلى نظام يفتقد للبوصلة.