مصطفى الطوسة يكتب: تبون وقيس.. محور العداء للمغرب

مصطفى الطوسة

في 13/10/2025 على الساعة 16:30

مقال رأييبدو أن الكيمياء تعمل بين قيس سعيّد وعبد المجيد تبون، لكن على كوكب آخر. فكلاهما يشتركان في الميل ذاته إلى استعراض السلطة، وفي الانفصال نفسه عن الواقع، وفي نزعة هزلية غير مقصودة تثير الضحك والقلق في آن واحد. يكفي أن تتداول صورة تجمعهما – نظرة متبادلة أو عناق مبالغ فيه – حتى تشتعل مواقع التواصل الاجتماعي، وتحولهما إلى رمزين عالميين للسخرية السياسية.

العلاقات بين الجزائر وتونس بلغت مستوى غير مسبوق منذ أن تولى كل من الرئيسين عبد المجيد تبون وقيس سعيّد السلطة. فقد تزامن التقارب السياسي بين البلدين مع تشابه واضح في أسلوب الحكم والخطاب بين الرجلين. تبون التقط صورا مع قيس سعيّد أكثر مما فعل مع أي زعيم آخر في العالم، لأن الرئيس التونسي صار ضيف الشرف الدائم في اللقاءات القليلة ذات الطابع الدولي التي نظمتها الجزائر مؤخرا.

أحدث مثال على هذا التقارب القسري هو الاتفاق العسكري الموقّع حديثا بين البلدين، والذي يبدو أن هدفه الفعلي وضع تونس تحت الوصاية الجزائرية. خطوة جديدة ضمن مسار خضوع تونس لإرادة الهيمنة الجزائرية.

تعود بداية هذا التحالف إلى يوم صدم فيه قيس سعيّد الجميع حين استقبل، بحفاوة تليق برئيس دولة، زعيم جبهة البوليساريو الانفصالية إبراهيم غالي، الذي فرض حضوره على قمة إفريقية-يابانية احتضنتها تونس. لقد أغضب سعيّد المغاربة حين أصر على إضفاء الطابع الرسمي على هذا اللقاء، رغم أنه جاء نتيجة مناورة جزائرية فرضت مشاركة غالي في الخفاء.

بهذه الخطوة، أخرج قيس سعيّد تونس من حيادها التقليدي الإيجابي في قضية الصحراء. فقد كانت تونس، في عهد رؤسائها السابقين، ينظر إليها كطرف وساطة محتمل بين المغرب والجزائر. لكن منذ حادثة « البساط الأحمر » لجبهة البوليساريو، تدهورت علاقة قيس سعيّد بالمغرب بشكل ملحوظ.

ومنذ وصوله المفاجئ إلى الحكم، لم يُبدِ سعيّد أي رغبة في توطيد العلاقات مع الرباط، على خلاف أسلافه. لم يزر المغرب قط، وكان الأخير ينتظر اتضاح توجهاته السياسية لتوجيه دعوة رسمية إليه. غير أن ارتهانه للأجندة الجزائرية أنهى كل أمل في التقارب. وهكذا دخلت العلاقات بين الرباط وتونس في شتاء طويل من الجفاء والبرود الدبلوماسي.

«قبل فترة قصيرة، حاولت الجزائر وتونس إطلاق مشروع «ميني مغرب» يضم جزءا من ليبيا وموريتانيا، بهدف غير معلن هو عزل المغرب»

—  مصطفى الطوسة

رغم الانتقادات الواسعة من الداخل التونسي التي اتهمته بالتفريط في حياد بلاده لصالح النظام الجزائري، يواصل قيس سعيّد نهجه نفسه، مقدّما تونس على طبق من ذهب للشهية الجزائرية الطامعة في بسط النفوذ. ويعزو البعض ذلك إلى حاجة تونس الملحّة للغاز والدعم المالي الجزائري في ظل أزمتها الاقتصادية الخانقة، لكن حماسة سعيّد المبالغ فيها تجاه الجزائر وعداوته الباردة للمغرب تتجاوز حدود المصالح الاقتصادية إلى قناعة سياسية أو أيديولوجية.

يبدو أن الكيمياء بين قيس سعيّد وعبد المجيد تبون تعمل بالفعل – لكن في عالم موازٍ. الأول، رئيس تونسي يتصرف كـ«منقذ» رسولي، بخطاب متعالي وحركات مسرحية دفعت مواطنيه إلى تلقيبه بسخرية بـ«الترميناتور». أما الثاني، رئيس جزائري يكثر من التصريحات الشعبوية والمزدوجة، حتى بات مثالا في الخطاب المتناقض. كلاهما مولع بإخراج مشاهد السلطة وإيهام الجمهور، وكلاهما يعيش في انفصال مقلق عن الواقع. وصورتهما المشتركة أصبحت مادة جاهزة للسخرية السياسية على الصعيد الدولي.

يشترك الرجلان في واقع واحد لا يمكن إنكاره: كلاهما حول بلده إلى «سجن مفتوح». فالمنظمات الدولية لحقوق الإنسان لا تتوقف عن انتقاد انتهاكاتهما، وعن التحذير من تدهور الحريات وتحول أوطانهما إلى أماكن يائسة، لم يعد لشبابها حلم سوى عبور البحر بحثا عن حياة أخرى. وليس صدفة أن الجزائر وتونس أصبحتا من أكبر مصدّري المهاجرين غير النظاميين نحو أوروبا.

قبل فترة قصيرة، حاولت الجزائر وتونس إطلاق مشروع «ميني مغرب» يضم جزءا من ليبيا وموريتانيا، بهدف غير معلن هو عزل المغرب. لكن المبادرة وُلدت ميتة، إذ سرعان ما تحولت إلى مثال على الارتجال الدبلوماسي والفشل السياسي. وقد وصف البعض الثنائي تبون–سعيّد مازحين بأنهما «لوريل وهاردي السياسة المغاربية» ولكن بلا روح الدعابة.

اليوم، يقف عبد المجيد تبون وقيس سعيّد في خندق واحد ضد المغرب. الأول يرى في ذلك وسيلة لإطالة بقائه في السلطة، والثاني يعتبره دليلاً على ولائه لجاره الأقوى. غير أن عداءهما للمغرب يبدو وكأنه يسبح ضد تيار التاريخ، الذي يسير في اتجاه آخر تماما

تحرير من طرف مصطفى الطوسة
في 13/10/2025 على الساعة 16:30