الجزائر: "القوة الضاربة" تحرم 800 ألف نسمة في وهران من الماء لمدة ستة أيام

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون خلال تدشين محطة لتحلية مياه البحر في تيبازة

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون خلال تدشين محطة لتحلية مياه البحر في تيبازة

في 19/05/2024 على الساعة 16:00, تحديث بتاريخ 19/05/2024 على الساعة 16:00

في الوقت الذي لا يكل فيه النظام الجزائري عن ترديد الأكاذيب والإعلانات الغريبة في دعايته، فإن الواقع البائس لهذا البلد يقول العكس تماما كل يوم. آخر الأمثلة على ذلك: عجز الدولة الجزائرية عن تزويد سكان ثاني أكبر مدنها بالماء الصالح للشرب. وتم الإعلان رسميا عن قطع الماء الصالح للشرب في وهران ومحيطها لمدة ستة أيام على الأقل، وأن العودة إلى الوضع الطبيعي سيتطلب أسابيع.

في الجزائر، هناك الإعلانات الطنانة. إذا أعطيناها شيئا من المصداقية، فسيبدو الأمر وكأنه معجزة هان. بناء أكثر محطة لتحلية المياه في العالم، وهو مشروع إنشائه أطلق مرتين وليس مرة واحدة. القدرة على توفير القمح، وبدون صعوبة تقريبا، ليس فقط للجزائر، بل أيضا لدول مثل المغرب أو حتى مصر. مناطق حرة مع بلدان المغرب الكبير والساحل من أجل « ازدهار » مشترك قادر على تحقيق قفزة هائلة إلى الأمام للعالم الثالث بأكمله...هذه عينة فقط من الإعلانات الطنانة طبل لها نظام الجزائر. سوف نتجاوز « حقيقة » أن كل شيء تقريبا تم تصميمه وتنفيذه في الجزائر أو من قبل جزائريين، بدءا من أهرامات الجيزة، وحتى اكتشاف أمريكا، والفتح الإسلامي للأندلس وصولا إلى بناء برج إيفل الذي تم بناؤه باستخدام المعادن وعمال جزائريين. ولن يكون مفاجئا على الإطلاق أن تكتشف البشرية يوما ما الأصول الجزائرية أو القسنطينية ليوري غاغارين أو حتى نيل أرمسترونغ. أو كلاهما، لماذا لا؟

إلا أنه، من ناحية أخرى، هناك الواقع العنيد. وهذا لا يعني فقط أن أيا من هذه المشاريع العملاقة ليس لديه أدنى فرصة ليرى النور، بل يعني أنه حتى الوجود البائس للجزائريين يتأثر يوميا بسبب تدابير التقشف، وحتى الحرمان من أبسط حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية. ناهيك عن الحقوق السياسية وحقوق الإنسان. الحليب مفقود، والعدس الذي يمكن شراؤه بسعر مرتفع والتدافع من أجل شراء قنينات الغاز في بلد مصدر للغاز. هذا دون أن ننسى الانقطاعات المتكررة للكهرباء والماء الصالح للشرب في كبرى المدن بما فيها العاصمة الجزائر.

في هذا الشق تألق النظام مرة أخرى، مقدما الدليل على عدم كفاءته. فقد أصدرت سلطات الدولة الجارة مرسوما...لقطع الماء الصالح للشرب عن ثاني أكبر مدينة في البلاد: وهران والمناطق المحيطة بها. اعتاد الجزائريون على انقطاع المياه من حين لآخر ولعدة ساعات. ولكن أن تقطع المياه من 21 إلى 26 ماي، فهذا أمر آخر. وحتى جمع قرب وسطول الماء ووضعها في صف واحد أمام الصنبور والانتظار لمدة ساعة أو ساعتين من البركة لن يجدي نفعا على الإطلاق. لأنه بكل بساطة لن يكون هناك ماء. لا شيء.

مليون و700 ألف من « الشهداء »

تم الإعلان الرسمي عن هذا القرار « للقوة الضاربة » من قبل هواري خوجة، المدير العام لشركة لمياه والتطهير بوهران، وذلك عبر صحيفة « الخبر » اليومية التي لا تقل رسمية، والناطقة باسم الطغمة العسكرية الجزائرية. رسميا دائما، ما لا يقل عن 800 ألف جزائري، أي ما يعادل 200 ألف أسرة، لن يتمكنوا من الوصول إلى هذه المادة الحيوية لمدة أسبوع، وأنه حتى بعد ذلك، ستمر عدة أسابيع قبل العودة إلى الوضع « الطبيعي ». لذلك يتعين ملء القرب والسطول بالماء خلال ساعات النادرة التي سيسمح بها.

وحتى عندما يعلن عن أخبار سيئة، فإن النظام في الجزائر يكذب. فبعد التحقق، تبين أن المنطقة الحضرية لولاية وهران التي تشرف عليها شركة المياه والتطهير لا يبلغ عدد سكانها 800.000، بل 1.700.685 نسمة حسب إحصاء رسمي تماما ويعود إلى عام 2020. يشار إلى أن سبب هذا العطش المزمن المفروض يعود إلى سلسلة من الأعطاب و »مشاكل الصيانة » التي تتعرض لها محطة تحلية شاطئ الهلال بعين تموشنت، التي تم افتتاحها سنة 2010. وعندما نعلم أن تبون أعلن في شتنبر الماضي، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أنه سيكون قادرا على تحلية 1.3 مليار متر مكعب من المياه يوميا بحلول نهاية عام 2024، فهناك أمل في رؤية الجزائر بأكملها ليس فقط مليئة بالمياه، ولكن ستتحول أيضا إلى أطلانطس!

وإلى أن يتحقق الطوفان التوراتي الذي وعد به تبون، سيشعر سكان ثاني أكبر مدينة في الجزائر، كل يوم، بمخاوف وجودية أمام الصنابير. وهو عار في يقول عن نفسه بأنه بلد النفط والغاز!

والأدهى من ذلك هو أنه لا يبدو أن أحدا من بين مسؤولي نظام الجزائر يشعر بالإهانة بسبب ذلك. كما لم يتم تقديم أي اعتذار للوهرانيين. بالنسبة لشركة المياه والتطهير كما بالنسبة للسلطات، إما هذا الأمر أو انقطاع المياه خلال عيد الأضحى أو حتى في الصيف. إذن، لكم الاختيار بين الطاعون أو الكوليرا؟ في بلد عادي حيث تجري الأمور بشكل طبيعي، فإن مثل هذا العجز يرقى إلى مستوى الاستقالة، أو حتى الانتحار الجماعي. لكن لا يجب أن ننسى أننا « في بلد تسير فيه الأمر بالمقلوب »، كما قال جون لوي ليفيت وبول توليلا، مؤلفا الكتاب الأكثر مبيعا « الداء الجزائري » الذي يكشف عورات البيروقراطية الجزائرية غير الكفؤة.

«الكذب ثم الكذب»

غير أن النظام في الجزائر يغمض عينيه ويفضل مرة أخرى الحفاظ بثبات على استراتيجيته المتمثلة في « الكذب ثم الكذب » أو المرادف له « اكذبوا، اقذفوا... ». الرئيس-المرشح عبد المجيد تبون، العنيد والوفي لشعاره المتمثل في مقولة فولتير: « يجب أن تكذب مثل الشيطان، ليس باحتشام، وليس لبعض الوقت، ولكن بجرأة ودائما »، يظهر عبقريته في الكذب يضاعف في هذه الفترة ما قبل الحملة الانتخابية.

أحدث تبونياته هو محاصيل الحبوب المذهلة المنتجة في الصحراء الجزائرية. الموقع « كل شيء عن الجزائر » (TSA)، الذي كانت له مصداقية في السابق، ولكن أصبح الآن بوقا لنظام الجزائر، تحدث عن « كثبان القمح في الصحراء الجزائرية ». مذهل جدا. وهكذا، في أدرار، جنوب البلاد، يتوقع أرقام قياسية من محاصيل الحبوب: مليون قنطار. علاوة على ذلك، فقد خلدت مقاطع الفيديو التي بثها التلفزيون العمومي الجزائري هذه الآلاف والعشرات وحتى مئات الآلاف من الشاحنات التي تتجول بين الحقول ونقاط التجميع. ومنذ ذلك الحين، تمت إزالة الصور من الحسابات الرسمية الجزائرية، على الرغم من...

نحن بعيدون عن 30 مليون طن التي يمكن تقنيا للجزائر إنتاجها، كما أكد تبون في 30 مارس 2022 أمام وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن. لكن النية موجودة.

إلا أن الأمر غير صحيح، وأن أدرار بعيدة عنها، ولو أن مليون قنطار ليس كثيرا، وأن الصور التي يفتخر بها النظام وإعلامه هي نتاج خالص، لتطبيق للمبتدئين يعتمد على الذكاء الاصطناعي. إنها مجرد عملية غسيل دماغ بدائية.

ومع ذلك، دعونا نتذكر تصريح تبون الرائع أمام بلينكن. إنه تحفة. « مع وجود دولة كبيرة جدا، يمكننا مساعدة إفريقيا في ما يتعلق بإمدادات الحبوب. نحن نستطيع فعلها. من الممكن تقنيا الوصول إلى إنتاج 30 مليون طن. نحتاج 9 ملايين طن ويمكننا تصدير 21 مليون طن للمغرب وتونس ومصر دون أي مشكلة».

إنها تحفة خلدت على موقع وزارة الخارجية الأمريكية. ينسى أو يتناسى الرئيس-المرشح أن الكلمات تمر، لكن الكتابات تبقى خالدة. ومن شدة شيخوخته المؤكدة، فهو يجهل أن الجزائر هي واحدة من أكبر مستوردي الحبوب في العالم. وبسبب الصراع الروسي الأوكراني، لا تستطيع البلاد حتى الحصول على الإمدادات في الوقت الحالي. قبل السعي إلى تصدير الحبوب إلى المغرب ومصر وتونس، من الأفضل للجزائر أن تسعى إلى ضمان أمنها الغذائي وخفض إنفاقها الإجمالي تقريبا على الحبوب والمنتجات الأخرى الآتية من الخارج.

تحرير من طرف طارق قطاب
في 19/05/2024 على الساعة 16:00, تحديث بتاريخ 19/05/2024 على الساعة 16:00