أزمة الموز في الجزائر.. كيف حرم العبث السياسي الجزائريين من «الكافيار الأصفر»؟

أسعار الموز تحلق عاليا بالجزائر ووزير التجارة يدعو إلى المقاطعة

في 18/03/2025 على الساعة 22:01

فيديوتحولت فاكهة الموز في الجزائر، خلال رمضان الحالي، من مجرد سلعة استهلاكية إلى قضية تثير الجدل على المستوى الشعبي والسياسي، بعد أن ارتفعت أسعارها بشكل فاحش، لتصبح رمزا للأزمة الاقتصادية والسياسية التي تعيشها البلاد. فسعر الكيلوغرام الواحد من الموز وصل في العاصمة الجزائرية إلى 850 دينارا جزائريا (حوالي 5.85 يورو). وكالعادة، لم يجد النظام العسكري بدًّا من البحث عن شماعة لتعليق فشله عليها، فبدلا من الاعتراف بأن قراراته السياسية المتخبطة هي السبب الحقيقي لهذا الغلاء الفاحش، راح يُروّج عبر آلته الإعلامية محملا المسؤولية للمضاربين!

ولأن النظام العسكري اعتاد تقديم أكباش فداء للتغطية على كوارثه، فقد سارع إلى إلقاء اللوم على المضاربين، ووصفهم بأنهم السبب الرئيسي وراء غلاء الموز. وقد تجلى ذلك في حملة إعلامية مكثفة، حاولت إيهام الشعب بأن الحكومة تبذل جهودا كبيرة لحمايته من « المضاربة غير المشروعة ».

وضجت وسائل الإعلام الجزائرية بالحكم القضائي الذي أصدرته محكمة السانية بوهران يوم الثلاثاء 18 مارس، بالسجن 15 سنة نافذة في حق تاجر وُجدت بحوزته 3718 كيلوغراما من الموز. ولم يدخر الإعلام المتحكم فيه من الثكنات العسكرية جهدا في الإشادة بهذا الحكم الثقيل، وكأن الرجل كان يخطط لانقلاب عسكري وليس للمتاجرة في فاكهة!

ولم يتأخر الجزائريون في الرد، حيث امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بسخرية لاذعة، معتبرين أن الحكم كان يجب أن يطول المسؤولين عن الأزمة، وليس التجار الذين يحاولون النجاة وسط فوضى القرارات الارتجالية.

حكومة عاجزة

على غرار ما وقع خلال العام الماضي، بدا وزير التجارة الطيب زيتوني هذه المرة أيضا عاجزا عن وضع حد لمعضلة ارتفاع أسعار الموز، ولم يجد مرة أخرى ما ينصح به المواطنين سوى دعوتهم إلى مقاطعة شراء الموز! وكأن الشعب الجزائري، الذي لم يعتد على ترف تناول « الكافيار الأصفر »، كان أصلا ينوي إقامة ولائم فاخرة من هذه الفاكهة!

وهي الدعوة التي لم تلقَ استحسانا من قبل الجزائريين، الذين رأوا فيها تهربا من المسؤولية وعدم قدرة على إدارة الأزمة.

نظام يغطي الشمس بالغربال

يسعى النظام العسكري الجزائري إلى تحويل الأنظار عن الأسباب الحقيقية لهذا الغلاء الفاحش، من خلال إيهام الشعب بتحميل المسؤولية للمضاربين. لكن الواقع يشير إلى أن السبب الرئيسي يكمن في القرارات السياسية التي اتخذها النظام، والتي أدت إلى اضطراب في إمدادات الموز وارتفاع أسعاره.

ويرتبط هذا الغلاء بشكل أساسي بالإجراءات التي اتخذتها الجزائر ضد الإكوادور، المورد الرئيسي للموز في البلاد، وذلك ردا على قرار الإكوادور بسحب اعترافها بـ »الجمهورية الصحراوية ».

وتماهت وزارة التجارة الخارجية وترقية الصادرات، مع توجه النظام الذي يتهرب من تحمل المسؤولية، إذ أعلنت في بيان لها اليوم الثلاثاء، عن اتخاذ إجراءات قانونية ضد 53 مستوردا للموز أخلوا بالتزاماتهم تجاه الدولة في مجال الاستيراد، متهمة إياهم بالإخلال بالتزاماتهم تجاه الدولة في مجال الاستيراد.

وجاء في بيان الوزارة أن هذه الإجراءات تأتي « تنفيذا لتعليمات السلطات العليا للبلاد »، وتهدف إلى معاقبة المستوردين الذين تسببوا في « اختلالات في تموين السوق الوطني ».

وهكذا، تبقى أزمة الموز في الجزائر مثالا صارخا على كيفية تأثير القرارات السياسية الخاطئة على حياة المواطنين، وكيف يمكن لفاكهة بسيطة أن تتحول إلى « قضية دولة » في ظل نظام يفتقر إلى الشفافية والمساءلة.

عاقبة العبث السياسي

إن قضية الموز في الجزائر ليست مجرد أزمة اقتصادية، بل هي انعكاس لسياسات النظام التي تضع الحسابات السياسية الضيقة فوق مصلحة البلاد والعباد. فبدلا من البحث عن حلول اقتصادية واقعية، اختار النظام الدخول في مواجهات سياسية أدت إلى تفاقم الأزمات الداخلية. والنتيجة هي غليان شعبي، وسوق يعاني من الاضطراب، وموز تحول إلى رمز للفشل السياسي والاقتصادي.

هكذا، تحولت قضية الموز في الجزائر إلى ملهاة تراجيدية، حيث قرارات النظام تُفاقم الأزمات، ثم يحاول التستر عليها عبر مسرحيات هزلية لا تُقنع حتى الأطفال. وربما قريبا، سنرى خطابات نارية تتحدث عن « مؤامرة خارجية لإغراق الجزائر في أزمة موز »، استمرارا لعقلية الهروب إلى الأمام، وتشبثا بنظرية المؤامرة التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من أسلوب حكم النظام الجزائري.

تحرير من طرف ميلود الشلح
في 18/03/2025 على الساعة 22:01