أخر فصول هذا التصعيد تمثّل في مطالبة الجزائر، أمس الأحد 11 ماي، بـ«الترحيل الفوري» لـ15 موظفا فرنسيا، بحجة تعيينهم في ظروف مخالفة للأعراف والإجراءات المعمول بها، وهو ما وصفه وزير الخارجية الفرنسي، جان-نويل بارو، بـ«القرار غير المفهوم والقاسي».
ومما يعمّق الأزمة أكثر هو طرد عنصرين تابعين للاستخبارات الفرنسية(DGSI) كانا يحاولان دخول الجزائر تحت غطاء دبلوماسي، متهمة الجانب الفرنسي بعدم الإخطار المسبق ومحاولة التسلل تحت عباءة دبلوماسية.
ويشكل هذا القرار الجديد، الذي جاء بعد أسابيع فقط من طرد 12 موظفا فرنسيا، امتدادا لمسار متشنّج اتخذته السلطات الجزائرية منذ أشهر في تعاطيها مع ملفات دبلوماسية وأمنية حساسة، متجاهلة العواقب السياسية والدبلوماسية لمثل هذه الخطوات.
باريس تتوعد بالرد بقوة
في المقابل، لم تتأخر باريس في الرد. فقد أعلن جان-نويل بارو، وزير الخارجية الفرنسي، اليوم الإثنين، أن بلاده سترد «بشكل فوري وحازم ومتناسب» على ما وصفه بـ«القرار غير المفهوم والقاسي» من قبل السلطات الجزائرية، معتبرًا أن طرد موظفين في مهام مؤقتة هو « قرار غير مبرر ولا يخدم مصالح الطرفين ».
وأضاف بارو في تصريحات إعلامية من نورماندي: «مثلما فعلت الشهر الماضي، سنرد فورا بطريقة قوية ومتوازنة»، مؤكدا أن بلاده لن تصمت إزاء قرارات وصفها بـ«المستهجنة» والتي «لا تصب في مصلحة الجزائر ولا فرنسا».
ورغم التبريرات التي ساقتها وكالة الأنباء الجزائرية، بكون الموظفين المطرودين جرى تعيينهم في ظروف «مخالفة للإجراءات المعمول بها»، فإن الوقائع تشير إلى أن الجزائر اختارت الردّ بشكل متشنج، على ما تعتبره تجاوزات فرنسية، عبر اتخاذ قرارات أحادية تمس جوهر العلاقات الدبلوماسية، متجاهلة مسار الحوار كخيار استراتيجي.
تداعيات دبلوماسية هجومية
يعكس التصعيد الأخير توجها متزايدا لدى النظام الجزائري لاعتماد منطق التحدي والمواجهة في علاقته مع باريس، بعيدا عن التقدير العقلاني لمآلات قراراته. كما يشير البعض إلى أن الجزائر باتت تلجأ إلى الدبلوماسية الهجومية لتغطية أزماتها الداخلية، غير آبهة بالتداعيات الاستراتيجية التي قد تترتب عن ضرب العلاقات مع شريك اقتصادي وتاريخي بحجم فرنسا.
وفي ظل هذا التصعيد المتواصل، تتزايد المخاوف من أن تتحول العلاقات الجزائرية الفرنسية إلى ساحة لتصفية الحسابات السياسية، يدفع ثمنها المواطن الجزائري البسيط، الذي يجد نفسه محاصرا بين قرارات انفعالية لا تراعي مصالحه اليومية، سواء على مستوى التأشيرات، أو التنقل، أو فرص العمل والدراسة، أو حتى الخدمات القنصلية الأساسية. ففي الوقت الذي تنتظر فيه شريحة واسعة من الجزائريين تسهيلات وفتح آفاق جديدة، تصر السلطات على اتباع نهج المواجهة، غير مكترثة بانعكاساته المباشرة على حياة المواطنين ومستقبلهم.








