إنها أشبه بلقطة مأخوذة من مسلسل درامي هابط جسّد فيه وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف دور البطولة. فوسط تصفيقات وهتافات وزغاريد الوفد الجزائري المرافق، لم يتمالك الوزير مشاعره لينقض بعناق حار وتقبيل ساخن لـ«تلميذته» سلمى مليكة حدادي، عقب فوزها بمنصب نائبة رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، خلال قمة الاتحاد الإفريقي في أديس أبابا.
وبدلا من الاحتفاء الرسمي الذي يليق بمثل هذه المناسبات، تحوّل المشهد إلى «كرنفال دبلوماسي» يذكّر بجماهير كرة القدم في مدرجات ملعب وهران.
هذا المشهد، الذي جسد فيه الوزير عطاف قمة التصرفات الصبيانية، أثار جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي، وانتشر على نطاق واسع تحت وسم: «#فضيحة_وزير_الخارجية_الجزائري».
كرنفال دبلوماسي
الوزير، الذي يبدو أنه لم يستطع مقاومة نشوة الفرح، قرر التعبير عن «انتصارهما المشترك» بطريقة أقرب لمشاهد الأفلام الرومانسية منها إلى البروتوكولات الدبلوماسية، محتضنا حدادي لثلاثين ثانية طويلة جدا في عُرف المؤتمرات، ومزينا عنقها بقبلات ساخنة أثارت ضجة واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي.
وبينما كان وزير الخارجية الجزائري ينتشي بانتصار مزعوم تحت هتافات «وان تو تري.. فيفا لالجيري»، كان الجزائريون وهم يتفرجون على المشهد الفاضح يلطمون وجوههم بسبب التصرف الصبياني لرئيس دبلوماسيتهم الذي سيهرق ما تبقى من كرامة الجزائريين أمام العالم.
وهكذا صب الكثير من رواد منصات التواصل الاجتماعي جام غضبهم على تصابي عطاف والوفد المرافق له، ولم تستثن الانتقادات حتى وسائل الإعلام الجزائرية التي بثت هذا المشهد الفاضح معتقدة أنها ستوهم من خلاله الشعب الجزائري بتحقيق انتصار مهم.
دبلوماسية «المدرجات»
الأكثر إثارة للسخرية كان الأداء المسرحي لوفد الجزائر، الذي قرر أن يحول القمة الإفريقية إلى مدرج ملعب كرة قدم. فقد اختتموا المشهد بهتافات «وان تو تري.. فيفا لالجيري»، وكأنهم يحيون جمهورا متحمسا بعد هدف في مباراة ودية.
محمد هناد، أستاذ العلوم السياسية في الجزائر، علّق على المشهد قائلا: «هذا ليس مشهدا دبلوماسيا؛ بل كرنفال لمناصرين هائجين. أهذه هي الجزائر الجديدة؟ أم أن الدبلوماسية الجزائرية أصبحت تُدار بروح المشجعين؟»
وعبر هذا الأستاذ عن غضبه من خلال تعليق في صفحته على منصة فيسبوك يقول فيه: « وان... تو... تراي... فيفا لالجيراي ǃ من المحزن أن يسقط مستوى دبلوماسيينا إلى هذا الحد بأديس أبابا، وبحضور وزير الخارجية أحمد عطاف، نفسه بينهم. فلا فرق بين هؤلاء وأبسط المناصرين للمنتخب الوطني. أهذه هي «الجزائر الجديدة» و«الجزائر المنتصرة»؟ أهذه هي الدبلوماسية التي تعلموها في المدرسة الوطنية للإدارة؟ كرنفال في دشرة ǃ ألا يدل التعبير عن الفرحة بهذه الطريقة الصبيانية على عمق الشعور بالحرمان والبؤس. الحرّ يُعرف من خلال طريقته في الفرح أو الحزن. فما رأيناه كان عبارة عن جماعة هائجة»ǃ
وتساءل أستاذ العلوم السياسية قائلا: «كيف سمحت وسائل الإعلام الجزائرية لنفسها ببث المشهد؟ ألم تقدّر الضرر الذي يلحقه بسمعة الجزائر، القارية والدولية، جرّاء تصرفات رعناء؟»
إقرأ أيضا : رئاسة مفوضية الاتحاد الإفريقي: لماذا يحق لنظام الجزائر أن يشعر بالانتشاء؟
غضب شعبي وانتقادات لاذعة
انهالت التعليقات الساخرة والغاضبة عبر منصات التواصل الاجتماعي على « الشيخ المتصابي »، الذي لم يتمالك مشاعره المنفلتة فاستغل فرحة « الانتصار » وانقض على « تلميذته » وانهال عليها بالعناق والتقبيل في مناطق حساسة من عنقها، وسط تصفيقات وهتافات الوفد المرافق لهما.
وحصدت حماسة الوزير الزائدة، الكثير من الانتقادات باعتبار تصرفه لا يتناسب مع منصبه ولا مع سنه ولا حتى مع الحدث الذي من أجله أقيمت كل هذه « الجعجعة ».
وأمام انتشار المشهد الفاضح لرئيس الدبلوماسية الجزائرية أمام العالم الافتراضي، تساءل الكثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، الذين لا يعرفون أصلا من يكون بطلا اللقطة ولا بلادهما التي تزعم أنها ثالث قوة اقتصادية في العالم... هل هما حبيبان لم يلتقيا منذ مدة ونال منهما الشوق واللوعة إلى هاته الدرجة؟ بينما تملك الفضول آخرون لمعرفة الإنجاز الذي دفع بهذين العشيقين إلى الاحتفال بالعناق والتقبيل المبالغ فيه إلى حد بلوغ النشوة؟ هل فازت بلادهما برئاسة الأمم المتحدة؟
وحُق لهم فعلا أن يطرحوا هذا التساؤل.
ما وراء هذا الاحتفال؟
لنفهم الأمر على حقيقته يجب أن نطلع على الفائدة التي ستجنيها بلاد «القوة الضاربة» من خلال منصب نائبة رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، الذي فازت به الجزائرية سلمى مليكة حدادي.
في الواقع، لا شيء، لأن دور النائبة يتمثل فقط في تنفيذ المهام التي يسندها إليها الرئيس، ولا تقوم محل الرئيس إلا في حالتي وفاته أو عجزه عن أداء مهامه. وقد أكدت مرشحة الجزائر هذا بنفسها حين سئلت من طرف الصحافة، فأجابت معترفة بأن دورها هو « مجرد منصب إداري ومالي لا تأثير له على القضايا الدولية ».
فإذا كان الأمر كذلك، فهل يستحق أن يعتبر « انتصارا » حتى يحتفى به بالعناق والتقبيل؟
هناك حقيقة أخرى، وهي ما أشار إليها محمد هناد، أستاذ العلوم السياسية في الجزائر، حين قال إن هذه الفرحة « لم تكن بسبب فوز المترشحة الجزائرية بمنصب نائب رئيس المفوضية الأفريقية بقدر ما كانت بسبب الفوز على ممثل المغرب وكأن المروك سكن أدمغة الدبلوماسيين الجزائريين فـأفقدهم صوابهم ǃ أما وسائل الإعلام الجزائرية، فحدّث ولا حرج. يأتوننا، كل يوم، بأخبار عن أحداث وقعت ببلاد «المخزن» من دون أية إشارة إلى مثيلتها عندنا. »
القبلة الدبلوماسية «المتوارثة»
اعتبر كثير من رواد الانترنيت في تعليقاتهم أن هذا التصرف المتصابي من عطاف ليس غريبا عن قادة الجزائر، وأعادوا نشر مقاطع مصورة توثق لعادة غريبة لا توجد سوى لدى حكام قصر المرادية.
وانتشرت مقاطع فيديو للرئيس تبون وهو يباغت ضيوفه الكبار بقبلات مفاجئة، منها مشهد شهير مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. بدا الأمر وكأن العناق والتقبيل أصبحا جزءا من الطقوس الرسمية الجزائرية، في مشهد «يليق بالمسلسلات الرومانسية أكثر منه بقاعات الاجتماعات الدولية».
من الواضح إذن أن أحمد عطاف قد وضع لنفسه عنوانا جديدا في كتب الكوميديا السياسية الإفريقية. فبدلا من أن يتم تذكره كمفاوض ماهر أو وزير ذو رؤية، اختار أن يُخلّد اسمه بعناق رومانسي في مقر الاتحاد الإفريقي.
ربما حان الوقت ليُعاد النظر في تدريب الدبلوماسيين الجزائريين؛ ليس فقط في فنون التفاوض، بل في بروتوكولات التعبير عن الفرح أيضا. لأن ما شهدناه في أديس أبابا ليس فقط خرقا للأعراف الدبلوماسية، بل نكسة لسمعة بلد بأكمله.
مرحبا بكم في فضاء التعليق
نريد مساحة للنقاش والتبادل والحوار. من أجل تحسين جودة التبادلات بموجب مقالاتنا، بالإضافة إلى تجربة مساهمتك، ندعوك لمراجعة قواعد الاستخدام الخاصة بنا.
اقرأ ميثاقنا