يُعتبر سارتر أهم نموذج فكري غربي استطاع أنْ يُؤسّس مقاربة فكريّة خاصّة في علاقة الأدب بالفكر. بل إن منجزه الأدبي من حيث التأثير، وما تضمنه من أفكار فلسفية نيّرة تُدرّس اليوم على أساس أنّها فكر فلسفي. ما يعني أنّنا أمام كتابة تخترق حدودها الأجناسية، وتُحاول عبر اللغة الأدبيّة أنْ تُلامس عمق الكينونة البشرية واجتراح أفق فلسفي قادر على التأثير في الواقع عامة والمجتمع بشكل خاصّ. إنّ طبيعة التخصصات تبدو منعدمة في الزمن المعاصر، لأنّ الكتابة المعاصرة في عمومها تتميّز بطبيعة زئبقية مُتلوّنة.
وبالتالي، فهي كيفما كانت شعرية أو روائية أو قصصية أو نصّاً مفتوحاً عابراً للأجناس، قادرة على أنْ تتضمّن خطاباً فكرياً يُجابه الكتابة الفكرية نفسها. كما أنّ العديد من المفكرين المغاربة عمدوا إلى الكتابة الأدبيّة إما لتمرير قضايا سياسية أو أفكار لا يستطيعون قولها بشكل فجّ ومُباشر داخل كتاباتهم الفكرية، فيضعونها في قالب أدبي يهجس بالتخييل والإبداع.
إنّ الحرية التي يُتيحها النصّ الأدبي قادرة على اختراق سياجات الفكر والنزوع بلغتها الشعرية صوب مُلامسة الفكر. إذْ يجد القارئ للأعمال الأدبية لسارتر عمقاً فلسفياً عميقاً، لا يعثر عليه داخل مؤلفات فلسفية معاصرة تدّعي الانتماء إلى الفكر. إنّ الرواية ليست فناً هجيناً، ولا هي كتابة أدبيّة تتميّز بالاستسهال والترفيه، كما تُحاول روايات مغربية كثيرة تأكيدها، وإنّما الرواية شكل من أشكال الفكر الذي يتنزّل فيها منزلة رفيعة تُتيح للمُفكّر قول ما لا يُقال.
ذلك إنّ الخيال يبني شرعية للنص الأدبي، ويجعله نصّاً مُلتحماً بالأفكار والمواقف والأهواء والأحاسيس والفضاءات وغيرها من العناصر التي يُعيد المفكّر الاشتغال عليها. فحين كتب المفكّر بنسالم حميش روايته الشهيرة « العلامة » لم يكُن يهمّه كتابة سيرة ذاتية للعلامة، وإنّما إضفاء الجانب الخيالي على شخصية ابن خلدون، ومحاولة اجتراح أفق فكري من الناحية الأدبيّة. كما أنّ رواية « أوراق » للمفكر عبد الله العروي، عمل من خلالها على تجاوز مفهوم الرواية في طابعها التقليدي، صوب كتابة يُمتزج فيها بين الفكر والأدب والتاريخ. بل عمل العروي في هذه الرواية على كتابة سيرة للأفكار أكثر من الأجساد.