تعتبر الدورة الحالية الثانية في تاريخ المهرجان، ومع ذلك بدأت ملامحه تتشكّل داخل الساحة السينمائية، بحكم حرصه الكبير على الجانب المعرفي الذي عادة ما نفتقده في مهرجانات ترفيهية أخرى. كما أنّ اختيار المهرجان في عمق جبل أوزود له أكثر من دلالةٍ رمزيّة، فهو يعطي للهامش مكانته ورمزيته ويُتيح لأبناء المنطقة الاستمتاع بمشاهدة أفلام سينمائية قريبة منهم وتتناول حياة الفلاحين داخل الجبل، خاصّة وأنّ السينما تُعدّ الأكثر ديمقراطية وقدرة على التأثير. وبالتالي، فإنّ إشراك ساكنة المنطقة في مفهوم الفرجة السينمائية يتيح لهم على الأقلّ التعرّف على بعض من الأفلام العالمية وتحقيق نوع من التواصل معها على أساس أنّ السينما ليست بذخاً فنياً، وإنّما ممارسة اجتماعية يومية لها علاقة بنمط عيش مختلف. وحرص المهرجان طيلة أيامه على إقامة عروض في الهواء الطلق بما يجعل الفرجة متاحة للجميع وليس حكراً على ضيوف المهرجان.
تمتلك مثل هذه المهرجانات الصغيرة قدرة كبيرة على التأثير في ذائقة المتلقي العادي، لأنّ الهدف منها ليس الترفيه وخلق نوع من الشهرة في المغرب، لكونها تُعنى بتقديم فسحة سينمائية غرضها إمتاع أبناء المنطقة وحثّهم على الاهتمام بالسينما ومتخيّلها. ونجحت العديد من المهرجانات الصغيرة على تنظيم ورشات كتابة سيناريو وتعليم التلاميذ والطلبة طرق التصوير والأداء أمام الكاميرا ودفعتهم إلى عشق السينما ومتابعة أخبارها. نحن هنا أمام مهرجانات فاعلة في محيطها الثقافي ولها القدرة على خلق بيئة سينمائية متواضعة لكنّها الأكثر تأثيراً في ذاتية المواطن.
وتخلق المهرجانات الصغيرة دينامية كبيرة في الوسط القروي، تجعل الناس يأتون من قرى بعيدة للاستمتاع بعروض مشاهدة الأفلام. وهذا في حدّ ذاته يخلق رواجاً تجارياً بالمنطقة ويحقق متعة خاصّة للمواطنين أمام شاشةٍ عملاقة تسحر الناس وتدفعهم الحلم والتفكير ومشاهدة قصص وحكايات تشبه نمط حياتهم داخل القرى التي ينتمون إليها. بهذه الطريقة تغدو السينما أداة لتخييل الواقع وقاطرة صوب تحقيق تنمية اقتصادية ورواج سياحي محلي ينمو شيئاً فشيئاً.