والحقيقة أنّ غياب النقاش العمومي داخل مغرب اليوم وعدم قُدرة الفاعلين السياسيين والجمعيات والأحزاب اليسارية وأهل الثقافة، يجعل العديد من التافهين على وسائل التواصل الاجتماعي يأخذون الكلمة ويُقدّمون الدروس للناس عبر آراء مرتبكة ومواقف هشّة وإمكانات رؤيوية ضحلة. لقد غدا رواد السوشل ميديا خبراء في الصحة والتعليم والثقافة والفنّ والمناخ بطريقة يبدون فيها من أهل الثقافة والفنّ. وإذا كان صنّاع المحتوى يحشدون خلفهم ملايين من الأتباع، فذلك يعود إلى كون فضاء السوشل ميديا فارغ من السياسيين والمثقفين ممّن يتوفّرون على مصداقية في مجال اشتغالهم. فلا غرابة أنْ يكون نقاشنا العمومي في أغلبه سطحياً وينمّ عن مستويات ثقافيّة ضحلة لا تُقدّم رأياً أو خطّة أو حتّى استراتيجية لتوجيه الناس تجاه بعض القضايا.
إنّ موت المثقف العضوي وانسحابه بشكلٍ كلّي من المجتمع ساهم في تأجيج التفاهة وتكريس السطحية داخل الفضاء العام. إذْ نادراً ما نعثر داخل وسائل التواصل الاجتماعي على كتاب ومفكّرين وفنانين يخرجون من قلاعهم الثقافيّة صوب مناقشة بعض من أفكار الشأن العام. سيما وأنّ المثقف بحكم ما يتوفّر عليه من حظوةٍ رمزيّة داخل المجال العام له القُدرة على تقديم فهم أعمق للظواهر والإشكالات التي تطال المجتمع في لحظةٍ من اللحظات. فغياب المثقف يفاقهم من سُلطة التافهيم ويجعلهم « يتسيّدون » داخل السوشل ميديا تحت شعارات واهية تُسمّى حرية الرأي والتعبير. والحقيقة أنّ كلّ رأي لا يحمل فكرة في عمقه فكرة مهما بلغ وهجها، فإنّه يبقى غير قادرٍ على إنتاج الأفكار وخلق نقاش حقيقي بين المثقفين والمجتمع.
رغم قّلة غياب وسائل التواصل وقلّة الجرائد والمجلات كانت المثقف حاضراً بقوّة داخل المجتمع، سواء عبر الجرائد أو المجلات أو عن طريق محاضرات وندوات بالعديد من الجمعيات والفضاءات الثقافيّة. بحيث كان المثقف يقظاً تجاه الشأن العام ويتعامل معه على أساس أنّه يدخل ضمن أولوياته كمثقف حريص على تغذية النقاش وخلق مناخ ثقافي يستطيع عبره مختلف الفاعلون على مناقشة قضايا حقيقية تهم الشأن العام