عادة ما ينتقد الكتاب الذين يكتبون بالعربية الفرنكفونية، لكنّهم هذه المرّة لم يقولوا شيئاً، هل لأنّ الفائز كان مغربياً أم أنّ الأمر يتعلّق بناقد كبير في حجم كيليطو؟ والحق أنّ زملاء كتاب وأدباء ونقاد اعتبروا هذا التكريم مُستحقاً داخل ثقافة مغربية، تحاول أنْ تتناسى أعلامها وتخلق من عاهات ثقافية أيقوناتٍ أدبية لا تستحق حتّى القراءة. لم تكُن المرّة الأولى التي يفوز بها كيليطو بجائزة رفيعة من هذا الحجم، بل سبق له الفوز بجوائز دولية وعربية. في وقتٍ ظلّت فيه كتابات صاحب « الأدب والغرابة » أصيلة من حيث المبدأ وتمتلك لغتها الخاصّة، سواء من ناحية التعبير أو من جهة تفكيك النصوص القديمة. منذ صدور أوّل كتاب له لفت عبد الفتاح كيليطو أنظار الثقافة وأوساطها، فالقارئ لأعماله النقدية يجد نفسه أمام كتابة مخاتلة ومرتجّة وموزّعة الخطاب ويصعب القبض عن ملامحها منذ القراءة الأولى.
إذْ رغم صغر حجم مؤلفاته مقارنة بنقاد آخرين، فإنّ ما يكتبه كيليطو يبقى عميقاً وله القدرة على الحلول في ثقافة غربية أخرى. فعلى مدار سنوات ظلّ التأثير بيّناً داخل النقد العربي المعاصر. كتاباتٌ نقدية تُحاول تقليد نمط تفكير كيليطو على مستوى العناوين وطريقة اختيار المواضيع والتركيز على لغةٍ تبدو وكأنّها لغته الخاصّة التي اكتسبها منذ سنوات وهو طفل بمدينة الرباط، مُتردداً على مكتبات عامّة يقرأ الأدب الأمريكي المترجم إلى الفرنسية.
يُبلور صاحب « والله إنّ هذه الحكاية لحكايتي » مفهوماً مغايراً للكتابة النقديّة. إنها كتابة ينعدم فيها مفهوم النسق فتأتي الكتابة في بعدٍ حميمي مُتوهّج يُخرج النقد من طابعه الكلاسيكي، صوب كتابةٍ نقديّة قريبة من الفكر. ففي كلّ مرّة يُدهشنا كيليطو بلغته الخاصّة التي تبدو وكأنّها لغة الأحشاء المتدفّقة المُنسابة عبر اللاوعي. وتتميّز كتابات عبد الفتاح كيليطو في كونها كتابة خالية من الإحالات التي تعيق حرية النصّ وتجعل الكتابة حتّى لو كانت نقداً فعلاً إبداعياً محضاً. إنّه بطريقة ما إعادة خلق للمُدهش والبسيط والنادر في جرار المعرفة. وعادة ما يُحمّل كيليطو أفكاره ومفاهيمه معاني أخرى تسبح في فضاء بعيدٍ. بهذه الطريقة يُخلخل صاحب « حصان نيتشه » المعاني المعهودة ويُعيد البناء وفق طريقة مختلفة ومغايرة داخل أدبيات النقد المعاصر. لكنْ في سبيل البحث عن لغةٍ أخرى لا تُشبهنا بقدر ما تظلّ سادرة في مكانها مُنتمية لوحده ولذائقته وجسده. يجد القارئ نفسه أمام كتابات كيليطو وكأنّه أمام كتابة بسيطة مُدهشة لا تهتمّ بما قيل عن النقد العربي القديم، بل تسعى جاهدة إلى خلق مناخات مغايرة لها تُسافر في سيرة المعنى.