تأتي قيمة هذا الكتاب في السياق السياسي الغامض الذي ننتمي إليه اليوم عالمياً وذلك أمام تراجع دور اليسار، بما كان يمثّله سابقاً من قوّة ناعمة تساهم إلى حد كبير في تحقيق نوع من الديمقراطية على مستوى السيادة داخل فسيفساء الأحزاب. لقد لعب اليسار دوراً كبيراً في المغرب، إذْ استطاع أنْ ينقل المجال السياسي من طوره التقليدي داخل الأحزاب إلى محاولة خلق نوع من الفكر التحديثي المغاير. وعلى الرغم من انهيار اليسار وضياع بوصلته في العالم، فإنّ الكتاب يقترح على المفكرين والباحثين المنشغلين بالدرس السياسي إلى إعادة التفكير في هذا المنزع الإيديولوجي أمام التنامي المفرط للشعبوية في العالم. سيما وأننا بتنا اليوم لا نعثر على مؤلفات حول اليسار كأنه أصبح فكراَ ماضوياً لا يستحق العودة إليه وإبراز أفكاره ومواقفه داخل المسلسل الديمقراطي.
تقول المفكرة شانتال موف « ينطلق عنوان هذا الكتاب من قناعة تفيد أن اليسار يجب عليه بشكل عاجل الإحاطة بطبيعة المرحلة الراهنة والتحدي الذي تطرحه « اللحظة الشعبوية ». ذلك أننا نعيش أزمة هيمنة النموذج النيوليبرالي والتي تفتح الطريق لبناء نظام أكثر ديمقراطية، لكن حتى نستطيع تقدير هذه الفرصة من المهم اجدا فهم طبيعة التحولات التي حصلت خلال الثلاثين سنة الأخيرة ونتائجها بالنسبة للسياسة الديمقراطية. أنا مقتنعة تماما أنه إذا كانت العديد من الأحزاب الاشتراكية والأحزاب الديمقراطية الاجتماعية تعيش حالة من الضبابية، فإن ذلك راجع إلى تشبثها بتصوّر غير ملائم للسياسة لطالما انتقدته لسنوات عدة منذ تأليفي لكتاب « الهيمنة والاستراتيجية الاشتراكية، نحو سياسة ديمقراطية جذرية » رفقة إرنستو لاكو سنة 1985″.
وتؤكد موف بأن حفزها آنذاك هو « إهمال أحزاب اليسار سواء كانت ماركسية أو ديمقراطية اجتماعية للحركات التي انتفضت سنة 1968 والتي أبانت عن مقاومة مختلفة الأوجه للهيمنة التي كان من المستحيل تطويقها انطلاقاً من مفهوم الطبقة فقط. أضف إلى ذلك أن الموجة الثانية للحركات النسوية وحركات المثليين، ثم النضال ضد العنصرية والقلق المتزايد حول مشاكل البيئة، غيرت بشكل كبير المشهد السياسي في حين لم تبال أحزاب اليسار التقليدي بكل هذه المطالب لكونها لم تستطع إدراك طابعها السياسي ».
مرحبا بكم في فضاء التعليق
نريد مساحة للنقاش والتبادل والحوار. من أجل تحسين جودة التبادلات بموجب مقالاتنا، بالإضافة إلى تجربة مساهمتك، ندعوك لمراجعة قواعد الاستخدام الخاصة بنا.
اقرأ ميثاقنا