يحرص صاحب « فاكهة الليل » في كلّ عملٍ نقديّ جديدٍ له أنْ يظلّ قريباً من الشعر، كتابة وتنظيراً. فهو من الشعراء والنقاد القلائل الذين لم ينفتحوا على الرواية، لكنّهم عملوا في عمق تجاربهم الشعرية على تعميق النّظر في الخلائط السرديّة وتواشجاتها مع الذائقة الشعريّة. إنّهم بهذه الطريقة يُوسّعون من حدود الشعر ويُجدّدون لغته وتقنياته وطريقة تشكّله في الذاكرة والوجدان. وعلى مدار سنوات، عمل صلاح بوسريف على تكثيف أعماله النقدية بما يجعلها تمشي بشكل متوازي مع تجربته الشعرية التي عرفت نفسها عدّة تحوّلات فكريّة وجماليّة. ومنذ عمله الأوّل « فاكهة الليل » بدت الرغبة عند بوسريف قويّة في امتلاك لغته وصوره وإيقاعه والخروج بالنصّ الشعري من أصوات الآخرين حتّى يغدو النصّ وحيداً في غربته، لكنّه يظلّ نفسه مفتوحاً على التجريب ومكابدات الذات.
يقول الناقد عن كتابه الجديد « يُبرِز هذا الكتاب أن أخطر ما وضع الشِّعر في حَرَجِ القراءة والتَّلقي، هو ما نُسمِّيه بحداثة التقليد، أي بالتقليد الذي التَبَسَ بالحداثة، أو هو حداثة استقرار، وليست حداثة صيرورةٍ واستمرار. الحداثة وهي تتوقَّف عن التَّجريب والتَّجاسُر والتَّجديد، كما تتوقَّف عن الشَّغف بالمغامرة والمجهول، أو باستشراف التُّخوم، التي من طبيعتها، ليصير الكثيرُ محكومًا بالواحد، والتعدُّد والتَّنوع والاختلاف، تصيرُ كُلها قاعدةً ومثالًا وتَطابقًا وتشابهًا. ويرى المؤلف أن الشِّعر يُباغت القارِئ أو المتلقّي والناقد والدارس والباحث ».
يُضيف « كما يُباغت المؤسسات الثقافية والتعليمية الجامعية والعامة، ويُباغِت الناشرين، ويضع الجميع أمام مرايا أنفسهم. هو مَن يُدين ويَتَّهِم، وليس هو المُدان والمتَّهَم، كما صِرنا نقرأ في عددٍ من الكتابات، تَظُن أنها تُدافِعُ عن الشِّعر، فيما هي تُدِينُه، ولا تَسمَحُ للشِّعر أن يَـمْثُل هؤلاء أمامَه ليُحاكمهم على ما ظنُّوه فيه من خَللٍ، فيما الخَلل فيهم هُم؛ في طبيعة الوعي الذي انحازوا إليه، وهو وعي تاريخي، يقوم على المقارنة والمُشاكلة والمُماثَلَة والمضاهاة، لا على الإنصات إلى ما يحدث في الجَدول من صيرورة واستمرار، أو في النَّهر الذي لا يُمكننا أن نسبح فيه أكثر من مرّة ».