وتأتي هذه النوستالجيا الفنية بعد النجاح الفني الباهر الذي حققته الدورة السابقة في موقع شالة الأثري بمدينة الرباط. لكنْ هذه السنة، فإنّ العروض المسرحية كانت بمناسبة احتفالية « مراكش عاصمة الثقافة في العالم الإسلامي لسنة 2024″. وتُعتبر هذه العروض بمثابة افتتاح رسمي سنوي لعدد من الأنشطة الثقافية والفنية التي ستُساهم في التعريف بالتراث المحلي وإبراز فنونه وجمالياته ومساجده ورياضاته ومآثره التاريخيّة. وقد استقطبت هذه العروض ساكنة المدينة، وجعلتهم ينسجون أواصر صداقة مع الفضاء التاريخي وعروضه الفنية، لدرجةٍ جعلت الجمهور يستعيد مُجدّداً علاقته بالعروض المسرحية.
ومنذ اليوم الأوّل من انطلاق العروض المسرحية، خلق العديد من الفنانين المسرحيين الحدث بلباسهم وأدوارهم وهم يؤدون العديد من الأدوار التاريخية داخل قصر الباهية. وقد شدّد العديد من الباحثين والنقاد عن قيمة هذه التظاهرات الفنية الجماعية التي تُساهم في خلق هوية فنية متعدّدة، يُمتزج فيها بين أصالة العرض المسرحي وجماليات الفضاء التاريخي.
تتمثّل فلسفة هذه العروض المسرحية في أهميتها بالانفتاح على الفضاء التاريخي، بما يُعطيها شرعية جمالية تجديدية، تُخرج النصّ المسرحي من فضاء الخشبة، صوب عوالم أخرى. ويلعب هذا الانتقال من الخشبة إلى الفضاء العمومي دوراً كبيراً في عملية المُشاهدة، إذْ تُؤثّر جماليات الفضاء واقتراب المتفرّج من الممثلين على عملية المشاهدة بالنسبة للمتفرّج. وتلعب هذه الفضاءات التاريخية، دوراً في إبراز قدرات الممثل من ناحية الأداء، بحيث تُظهر مدى تماهي الممثل مع الفضاء التاريخي والدور الذي تُجسّده. وتبدو العروض المسرحية كما لو أنّها مشروع فني يهجس بالتاريخ. إذْ تُبرز بطريقة جمالية مدى تعلّق البلد بتاريخه وتراثه وذاكرته. رغم أنّ هذا التعامل مع التاريخ يأتي من زاوية اشتغال فني، يحاول العودة إلى الماضي، لا من أجل محاكاته بطريقة تقليدية، وإنّما من خلال إدانة الراهن.