إذا تتبعنا اليوم المسار الطويل الذي قطعته الدبلوماسية المغربية سنجد أنّ الدبلوماسية الثقافية لعبت دوراً كبيراً وبارزاً في تقوية العلاقة بين الدول. بل إذا تتبّعنا المشهد الثقافي ونظيره الفني، سنجد أنّ الكثير من الأنشطة الثقافيّة والفعاليات السينمائية موجّهة لإفريقيا، وعياً من الجهات الوصية على هذه التظاهرات الفنّية بأهمية العلاقة الدبلوماسية القوية والصادقة التي تربط بين المغرب وباقي الدول الإفريقية الأخرى. وإذا كان الفنّ في عمومه ظاهرة إبداعية ترتبط بالذات الفردية في لحظات الفرح والألم والتشظي والمعاناة التي تطبعها في فسحة وجودها، فإنّ هذا النزوع الذاتي، يجعلها في سياقات أخرى ترنو إلى الانغماس في الذاكرة الجماعية للتعبير عن قضيّة ما. ذلك إنّ الفنون المعاصرة وبحكم الطفرة التقنية والتحولات السياسية والاقتصادية التي رافقته، لم يعُد العمل الفنّي مستقلاً بذاتيته داخل جسد المبدع، بقدر ما أصبح يشتبك على مستوى الممارسة مع المؤسسة المُنتجة للعمل الفنّي والوسائط البصرية التي تُعرّف به وبالأبعاد الإيديولوجية التي يُدافع عنها. فالسينما وبسبب شعبيتها على مستوى التأثير وما تضطلع به من أدوار سياسية، فإنّها تكون قادرة على إرساء دعائم مشتركة وتوطيد للعلاقات الدولية بين البلدان في سبيل تحقيق تواصل فعّال.
يعتبر المهرجان الدولي للسينما الإفريقية الذي يقام بمدينة خريبكة والذي تم إحداثه منذ عام 1977 دوراً في توطيد العلاقة وفتحها على أفق سينمائي يمتح ملامحه من التجذّر التاريخي الذي طالما ربط المغرب بإفريقيا. ذلك إنّ عرض أفلام إفريقية والتعريف بها يفسح مجالاً للمُشاهد من أجل التعرّف على خصوصية هذا المجال الإفريقي وطريقته في التفكير وتخييل القصص والحكايات. بيد أنّ هذه العملية تُساهم بشكل ضمني في تكريس إفريقيا موضوعاً للتفكير داخل الحياة الثقافيّة المغربية. فمنذ سنوات أصبحنا نُتابع مجموعة من الإصدارات في العلوم السياسية والبحوث التاريخية التي تزيد من الوعي بأهمية إفريقيا. وبقدر ما تُصوّر الأفلام المجال الإفريقي، تُطالعنا وبطريقة واعية أو غير واعية بعض المشاهد التي تُظهر في إكسيسواراتها بعض الإنتاجات المغربية من حلي وزرابي وموسيقى ولغة، تُظهر عمق الأثر المغربي في إفريقيا خلال فترات متباينة من التاريخ الحديث. إنّ الوعي بأهمية السينما كقاطرة تخدم الجانب السياسي، يُتيح للبلد إشعاعاً كبيراً. إذْ أنّ تكاثف الجهود بين السياسة والدبلوماسية والفنّ يمنح وجوداً جديداً للعلاقات المغربية الإفريقية ويدفعها إلى البحث عن أفق جديد أكثر وعياً وتأثيراً في المنطقة.
رغم تراجع حدّة المهرجان من ناحية التأثير السينمائي كباقي المهرجانات الأخرى، إلاّ أنّ تاريخه وذاكرته وسبقه في طرح قضايا سينمائية وتفكيك إشكالاتها، يجعله حاضراً ومؤثّراً في تاريخ الفن المغربي. فقد ساهم على مدار سنوات طويلة في التعريف بالمنتوج السينمائي الإفريقي وجعله قريباً من انشغالات النقاد المغاربة. بل هناك من ظلّ منذ ثمانينيات القرن الماضي يولي اهتماماً خاصاً بالسينما الإفريقية ويفتح لها أفقاً فكرياً في وجدان المُشاهد عبر ما يكتبه عنها من دراسات وكتب، تساهم بطريقة غير مباشرة في التفكير في الوجود الإفريقي والمكانة التي يحبل بها في تاريخ المغرب. بهذه الطريقة تتجاوز السينما كونها مجرّد وسيط بصريّ يُحقّق المتعة والترفيه بالنسبة للناس إلى أنْ يغدو فناً بصرياً مؤثّراً في النسيج السياسي وقادراً على بلورة علاقات ثقافيّة.