يُعد الشاعر بوكوفسكي أحد أهم الكتاب العالميين المؤثرين في الشعر المعاصر. ذلك إنّ تجربته الشعرية تُعتبر من النماذج الشعرية الثائرة على الأنساق المعرفية القديمة. كان بوكوفسكي ثائراً في الحياة وعلى مختلف الأنظمة الاجتماعية الرجعية في الولايات المتحدة الأمريكية. أصيب في حياته بنكبات كثيرة جعلته يُحوّل كلّ ذلك الألم والأسى إلى قصائدٌ شعرية وقصص قصيرة بها يدين خيبات الواقع المتكرّرة. وقد اختار إدريس الملياني ترجمة بوكوفسكي إيماناً منه بقيمة الرجل ودوره البارز في تقديم خدمات جليلة إلى الشعر الأمريكي المعاصر. خاصّة وأنّ الملياني نفسه شاعر ويعرف ميكانيزمات الكتابة الشعرية ويستوعب قوالبها المعاصرة. وبالتالي، يجد صاحب « متى نخرج من مقدمة ابن خلدون؟ » نفسه في مواجهة اللغة الشعرية، لكنْ هذه المرّة من باب ترجمة الشعر والحفاظ على نفس حرارة اللغة الشعرية الأصلية. وتساهم مثل هذه الترجمات في تقديم التجارب الأجنبية للقارئ المغربي. وذلك بما يجعله يستوعب شعريات الآخر ومدى حدود التأثير في بنية النصّ الشعري.
يقول الأكاديمي نور الدين الزويتني في مقدمّة الكتاب « كانت الساحة العربية في حاجة ماسة إلى ترجمة منهجية يضطلع بها مترجم مقتدر وشاعر أصيل كالشاعر إدريس الملياني، لأنني أعتقد أن ترجمة شاعر كبوكوفسكي لا تقتضي مترجماً أدبياً فحسب، بل شاعراً حبيراً بالنسق الشعري الذي يؤطر رؤية هذا الشاعر وكتابته. ثم تحويل هذا النسق الأجنبي ضمن النسق الشعري العربي للقصيدة الحديثة دون السقوط في الركاكة والتقريرية التي سقط فيها أغلب مترجمي بوكوفسكي إلى العربية ».
ويعتبر الزويتني أنّه كان له الشرف في « مراجعة قصائد هذه الأنطولوجيا الشاملة ومقارنتها مع أصولها الإنجليزية، فوقفت عن قرب على مدى كفاءة الشاعر إدريس الملياني مترجماً وحرصه الكبير على الأمانة الشعرية في اشتغاله الترجمي وتجنبه لمزالق الترجمة الحرفية التي تغوي بها بساطة نص بوكوفسكي وتركيزه على ذلك في ترجمته على إعادة إنتاج الأثر الجمالي الذي توخاه بوكوفسكي مع محاولته المحافظة على السمات الأسلوبية والفنية للنصوص الأصلية ».