ما الذي ينقص مدينة في حجم تاريخ الفقيه بن صالح، حتّى تظلّ بلا صالة سينما وبدون مهرجانات سينمائية تعمل بشكلٍ ضمني على صياغة هوية بصريّة للمدينة وتاريخها. إذْ تلعب هذه المهرجان السينمائية دوراً كبيراً في التعريف بالمدينة وخلق حركةٍ سينمائية ذات دلالة رمزية بالنسبة للفضاء. لكنْ كيف يجوز تأسيس مهرجان سينمائي داخل فضاء لا يتوفّر على سينما. بحيث أنّ الصالة السينمائية الوحيدة التي كانت هناك أغلقت أبوابها منذ زمن بعيد. لذلك تبدو المدينة اليوم مُفرغة من الفن والجمال.
فالمدينة لا تتوفر على صالة عرض واحدة وبالتالي، لا يُنظّم فيها أيّ عروض أو لقاءات تتصل بالسينما وعوالمها من خلال أفلام وندوات تطرح قضايا الفكر السينمائي وإجراء حوارات مع مخرجين وممثلين وكتّاب سيناريو. فكلّ هذه اللقاءات بإمكانها أنْ تُقدّم خدمة كبيرة لساكنة المدينة وتدفع شبابها إلى الحلم والإبداع والابتكار داخل المجال السينمائي، خاصّة وأنّه في السنوات الأخيرة، بدأت تُطالعنا العديد من التجارب الفنية التي تتلمّس طريقها صوب الفنّ السابع وتحاول عبر هذا الشكل التعبيري أنْ تُعبّر عن أفكارها ومواقفها ورؤيتها للواقع والجسد والوجود.
ففي خضمّ التحوّلات التي بات يعرفها المغرب، ينبغي اليوم إعادة تنمية المدينة والشروع في إعادة تأهيل صالة السينما ونفض الغبار عليها وجعلها أفقاً فنياً بالنسبة لشباب المدينة وناسها. ينبغي اليوم إعادة فتح تلك الصالة السينمائية الوحيدة واليتيمة الموجودة في شارع الحسن الثاني وذلك لأنّها ستُساهم في تنمية المدينة فنياً وتجعل الشباب يقبلون على مُشاهدة الأفلام وحضور اللقاءات الفنية والندوات الفكرية التي تلعب دوراً مركزياً من الناحية الرمزيّة. ذلك إن السينما ليست مجرّد وسيط بصريّ ترفيهي يُتيح للمرء الاستمتاع بالمُشاهدة، بقدر ما يُتيح للناس عيش حياة ثانية لها علاقة أساساً بالمُتخيّل. ورغم أنّ المدينة تتوفر على كوكبة من الكُتّاب والأدباء والفنّانين، فلم أقرأ يوماً أيّ بيانٍ تنديدي للمثقفين يدينون فيه أسباب إغلاق هذه السينما والتفكير في الدعوة إلى إعادة فتحها مهما اعترضهم من مشاكل مادية.
تعيش المدينة اليوم انبطاحاً سينمائياً لا مثيل له. إذْ على الرغم من الطفرة التي حققها هذا القطاع في المغرب، فإنّ مدينة صغيرة مثل الفقيه بن صالح ما تزال تُعاني في صمت، بعدما ظلّت منذ ثمانينيات القرن الماضي، تُشكّل أفقاً ثقافياً للكثير من الفنانين على اختلاف مَشاربهم الإبداعية. بيد أنّ هذا الصمت الثقافي الذي تعيشه المدينة لم يؤثّر في الحقيقة على المدينة من الناحية المسرحية. فهناك العديد من هذه التجارب التي تنشط في المسرح داخل المركّب الثقافي للمدينة وتُحاول عبر هذا الفضاء أنْ تفتح لها أفقاً مسرحياً بعيداً عن المدينة وأحلامها المُجهضة. في حين تبقى السينما منسيّة ومُهمّشة رغم وجود طاقات إبداعية شابة تتوفّر على إمكانات ذاتية مُذهلة تستطيع من خلالها اقتحام مجال السينما ومُتخيّلها.